*سردَة³* _______ "أيّ الاثنين أنا؟!" ها أنا الآن في عيادةِ الطّبيب، كالعادة الغرفةُ مظلمةً بشكلٍ غير طبيعي. الجدرانُ تتنفسُ وتصرخُ وكأنّ بها أرواحٌ على قيدِ الحياة، تصرخُ وتصرخُ تنتظرُ أن تتحرر من قيودها. جلستُ على كرسي المعتاد، كانَت رائحة الهواء مشبعةٌ برائحة العفن، وكأنّ بها جسسٌ مخفيةٌ. جلسَ الطّبيبُ أمامي كالعادةِ، رفعَ ناظريهِ كالعادة، ولكن في هذه المرّة كانَ هناكَ شيءٌ مختلفٌ كانَت ملامحهُ مشوشةً للغاية، كأنّ عينايّ مرآةً مكسورة لهذا السببِ أرىٰ ملامحهُ مشوشة، تحدثَ بصوتٍ غريبٍ يتغنىٰ فيهِ الصدىٰ سؤالهُ المعتاد كيف حالكَ منذُ آخرِ جلسةٍ لنا؟! شعرتُ برعبٍ فظيع، أجبتُ بنبرةٍ يتخللها الخوف كانت الأيامُ تمرُ ببطءٍ مهلك، شعرتُ بأنّ الهواجسَ أصبحت هي من تديرُ أفكاري. ابتسمَ الطّبيب ابتسامةً مخيفة، ثمّ تكلّمَ بصوتٍ منخفضٍ يشبهُ الصّدى الّذي يتكرر بعد صوت الأشخاص، كررَ سؤالهُ السّابق هل تعتقد أنّ هذه الهواجس ستستولي على عقلكِ وتسيطر على أفكارك؟! أجبتُ وأنا أحاول الحفاظَ على ماتبقى من عقلي، أشعرُ أنّني أفقدُ نفسي جزءًا تلوىٰ جزءٍ آخر، كأنّني أتلاشىٰ. اقتربَ الطّبيبُ منّي، حتّى شعرتُ بثقلِ أنفاسهِ على وجهي، وهمسَ بصوتٍ يتخلله الرّعب لما لم تفكر بأنّ عقلكَ ملكٌ للهواجيسِ منذُ البداية؟! شعرتُ بأنّ زلزالاَ هزّ أركان الأرضِ من تحتي، ازدات كثافةُ الظّلام بدأ لساني بنطق الكلماتِ بصعوبةٍ قاتلة هل تعني بأنّ سأفقدُ السّيطرةَ تمامًا؟! هل ستبقىٰ الهواجس جزءٌ منّي للأبد؟! وفجأةً، رأيتُ الكثيرَ من المرايا ولكن لم تكن مجردَ مرايا عادية، كانَ هناكَ الكثيرُ من الوجوهِ الّتي تتلاشىٰ من المرايا. فجأةً وجدتُ نفسي وحيدًا، وقفتُ ببطءٍ وبدأتُ بالصراخ يا طبيب يا طبيب أتسمعني؟! ردَ أيّها اللّعين أرجوك جاءت لحظةُ إدراكٍ مفاجئة، بدأ جسدي بالارتعاش بدأتُ أنظر حولي، بدأتُ أتفهمُ الحقيقة لم يكن هناكَ طبيب! ولم يكن هناكَ مريض! كنتُ أنا الطبيبَ والمريضَ في آنٍ واحد صرختُ صرخةً عالية صرخةً تتلوها صرخة، ولكن لم يسمعني أحد، أسيرُ داخل هذه الغرفة، أسيرُ وأسير، وأعودُ إلى ذات النّقطة أرجوكَ يا اللّه ألّا يوجدُ نهاية لهذه الدّوامة؟! ستبقىٰ الهواجس جزءٌ منّي، جزءٌ من كياني. تسنيم بولاد