
العروة الوثقى الزيدية
February 2, 2025 at 07:56 PM
【الأيدي واليدان】
الآيات التي تتعلق بها المشبهة قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:٤٧]، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤]، {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧]، ونحو هذه الآيات، وأحاديث يستدلون بها نحو ما يذكر في تفسير هذه الآية الأخيرة في سورة الزمر، فقد تعلق أهل الظاهر وكثير من المخالفين للزيدية بما ذكرنا وبنحوه، فأثبتوا لله تعالى يدين وأصابع وقبضة.
ونقول لهم: إن كان الأمر كما ذكرتم من أن الواجب حمل القرآن على الظاهر على الإطلاق، فكيف تفسرون قوله تعالى في وصف القرآن {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [سورة فصلت آية ٤١]، فأين اليدان، وفي صفة القرية المهلكة في قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ٦٦} [البقرة]، وقوله تعالى في ذكر العذاب: {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ٤٦} [سبأ]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣} [النمل]، فأين يدا القرآن، ويدا القرية، ويدا العذاب، ويدا المطر (الرحمة) يا أهل الظاهر؟! أوجدونا يدين اثنتين، ثم ميزوا الشمال من اليمين، وبينوا لنا كذلك الأصابع: الخنصر والبنصر والوسطى والمسبحة والإبهام؟! فاليدان لا بد أن تكون كذلك ولا مخرج لكم من ذلك.
فإن لم تفعلوا ذلك فقد عطلتم كلام الله تعالى من الصفة التي ثبتت له بنص القرآن، وإنكار شيء من ألفاظ القرآن القطعية كفر، والتفسير عندكم بخلاف الظاهر ضلال وبدعة وتحريف.
هذا، ولا سبيل لكم أيها الظاهرية إلى الخروج من هذه المضايق، وكل ما أوردتموه من السؤال والجواب على أئمتنا وموافقيهم سيرد عليكم مثله. نعم، إنما أوردنا هذه الآيات والإلزامات للظاهرية، لنبطل مذهبهم، من أن الواجب حمل الألفاظ الشرعية على ظاهرها مطلقاً، وفي ما ذكرنا إبطال لمذهبهم على الجملة.
قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٦]، فقد تعلق أهل الظاهر بهذه الآية وأثبتوا لله يدين اثنتين، وأئمتنا عليهم السلام وموافقوهم قالوا في تفسير ذلك: إن اليهود عليهم اللعائن وصفوا الله جل جلاله بالبخل وعبروا عن ذلك على طريق الكناية التي هي أبلغ من التصريح بقولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}، ورد الله سبحانه عليهم بطريق الكناية أيضاً بأبلغ من كنايتهم حيث ثنى اليدين.
هذا، وغل اليد وبسطها كنايتان عن الإمساك والإنفاق في الاستعمال العربي، وقد جاءت في القرآن، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ٢٩} [الإسراء]، معنى هذه الآية هو معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ٦٧} [الفرقان].
تتمة للبحث في اليد
وقالت المشبهة: إن لله تعالى يداً تليق بجلاله، زادوا قولهم تليق بجلاله فراراً من التشبيه، ولا مهرب لهم في ذلك ما داموا واصفين ربهم بحقيقة اليد، والقبضة، والأصابع، هذا وعظم اليد وكبرها لا ينفي التشبيه، فإنهم مهما بالغوا في وصف اليد والأصابع حتى جعلوا السموات على أصبع والأرضين على أصبع الخ ما جاءوا به من التفصيل، فإنهم لم يخرجوا من التشبيه والتجسيم، وكبر الأصابع زيادة في تحقيق التجسيم، ومبالغة في التشبيه، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.
والحق الذي عليه علماء الزيدية في قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧]، أنها تصوير لقدرة الله تعالى العظيمة تقريباً إلى تفهيم البشر بعض عظمة الله وقدرته التي لا يحيط بها فهمهم، وذلك عن طريق الكناية التي هي أبلغ من التصريح، وليس ثمة قبضة، ولا يمين، ولا أصابع، وهذا كقولنا: فلان في يد فلان.
أما الأحاديث التي رويت في تفسير قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، فيجب أن تفسر بالتفسير الذي فسرت به الآية القرآنية، وإلَّا وجب طرحها، وذلك لأنها من الأخبار الآحادية، وأخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن، والمطلوب فيما نحن فيه هو العلم.
والذي يدل على صحة هذا التفسير هو ما ثبت من أن الله تعالى ليس بجسم كما قدمنا من بيان الدلالة على ذلك عقلاً وسمعاً كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}، فحين تعذر المعنى الحقيقي فسرنا ذلك بالمعنى المجازي الذي جاء في غاية الحسن وغاية الكمال، في التعبير عن قدرة الله العظيمة، وتصويره لذلك بالصورة المحسوسة تقريباً إلى الفهم البشري القاصر.
--➖➖➖➖➖➖--
#نظرات_في_ملامح_المذهب_الزيدي
#للسيد_العلامة_الحجة:
#محمد_بن_عبدالله_عوض_المؤيدي (أيده الله وحفظه )
#العروة_الوثقى_الزيدية

👍
❤️
🇮🇷
🇵🇰
🇾🇪
31