العروة الوثقى الزيدية
العروة الوثقى الزيدية
February 17, 2025 at 05:26 PM
باب العدل حكم العقل اتفقت الأمة الإسلامية على أنَّ الله سبحانه وتعالى عدل حكيم، لا يظلم مثقال ذرة، وأن أفعاله تعالى كلها حسنة، وأنه لا قبيح في أفعاله، فهذه الجملة لا خلاف فيها، وهناك تفاصيل لهذه الجملة عندها نشأ الخلاف. فمِمَّا حصل فيه اختلافٌ حكم العقل بالحسن والقبح، بمعنى: هل يحكم العقل بمفرده بحسن شيءٍ أو قبحه، نحو حسن العدل، أي أنَّ فاعله يستحق المدح والثواب، وقبح الظلم أي أنَّ فاعله يستحق الذم والعقاب. فالذي عليه الزيدية وطوائف من المسلمين أنَّ العقل يستقل بمعرفة ذلك ابتداءً، أي قبل ورود الشرائع. وقال قوم: إنَّ العقل لا حُكْمَ له ولا يُدْرِكُ ذلك، وإنما جاء التحسين والتقبيح من قِبَلِ الشرائع السماوية، فما ورد الأمر به فهو حسن بسبب الأمر، فالأمر هو الذي حَسَّنَهُ، والقبيح يقبح بسبب النهي، لا دخل للعقل في ذلك الحكم، ولا طريق له إلى معرفة شيء من ذلك، فإن حَكَمَ العقلُ بمجرده فلا وثوق بحكمه. والجواب: أنَّ حكم العقل بحسن نحو العدل، وبقبح نحو الظلم من الضروريات العقلية التي لا تحتاج إلى نظر واستدلال، كالعلم بالجوع والعطش والآلام والفرح والسرور، وكالعلم بأني موجود، وما هذا حاله فلا يحتاج إلى التدليل، وكثرة القال والقيل، غير أنه لَمَّا صار لأهل هذه المقالة الشاذة كيان وكثرة أتباع دعت الحاجة إلى بيان الحقِّ ونصب الأدلة، كما دعت الحكمة من قبل إلى نصب الأدلة وتوضيح البراهين؛ لرد مذاهب المشركين الوثنية، ومزاعم السوفسطائية، وهي عند العقل باطلة بضرورته وبديهته. فإن قلت: وكيف راجت هذه المذاهب عند المشركين وفيهم ذووا العقول الراجحة ولا سيما قريش. قلت: للمجتمع والنشأة والتربية دور في تربية الخرافات ونموها، مع ما يصحب ذلك من التخيلات والتوهمات المدعاة للأوثان، ومن الأمثلة على أن الخيال قد يسيطر على العقل: ما يجده بعض من الناس من الخوف من الظلام وإن كان المكان خالياً من أي مخوف، فالعقل يحكم ضرورة بحكمه وهو بطلان الوهم والخيال، والخيال والوهم يحكم بحكمه وهو الأشباح المفجعة والدواهي الموحشة. فإذا ما سيطر الخيال على الإنسان فإن العقل يضيع ويضعف حكمه، هذا مع ما في ذلك من الموافقة لرغبات النفس وميل غريزتها، وتماماً كما قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:٢٣]. فنقول وبالله التوفيق: الاستدلال هنا بالعقل مصادرة في الظاهر، وبما أن المخالفين لنا في حكم العقل هم من المنتمين إلى القرآن فنكتفي في الاستدلال على بطلان مذهبهم به. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:٩٠]، ففي هذه الآية دليل على أن الله سبحانه وتعالى لم يأمر ولم ينه إلا بما يتوافق مع الفطرة، ويتماشى مع العقل السليم، فهو يأمر بكذا وكذا، وينهى عن كذا وكذا، فلأي شيء يهربون من الدين؟ ويكفي للعلم بأنه حق أن يتفكر الإنسان ويراجع عقله وينظر في الأوامر والنواهي القرآنية، فما أمرت إلا بما ترغب فيه النفس وتميل إليه الفطرة، ولم تنهَ إلا عن ما يتفاحش في العقل، وتستنكره الفطرة. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمرهم إلا بالمعروف ولم ينههم إلا عن المنكر، فالمعروف والمنكر مرتكزان في الفطرة، ومعلومان عند العقل، فيكفي في صدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم يأمرهم إلا بما تعرفه عقولهم، ولم ينههم إلا عن ما تنكره قلوبهم. فهو إذاً معروف ومنكر من قبل الأمر والنهي، والمعروف حسن، والمنكر قبيح، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٠ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران]، ففي هذه الآية ونحوها دليل على أن خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار مليء بالآيات، وأن هذه الآيات مجال ومسرح لأهل العقول يتفكرون في آياتها، ويعرفون من خلالها حكمة الخلق والتكوين، وتنزيه الخالق سبحانه وتعالى عما نسب إليه الجاهلون. وقال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:١٧]، {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} [الواقعة:٦٥]، {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:٧٩]، {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢]، وكان المشركون يسمون نكاح زوجة الأب نكاح المقت، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ١٩ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ٢٠ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ٢١ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر]. وآية الشورى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ٥٨} [غافر]. ومن قبل الشرائع كانت الأمم تذم الكاذب والخائن والغادر، وتمدح الصادق والأمين والوفي، جاءت بذلك تواريخ الأمم والملوك، وأشعار الجاهلية، ومن تتبع اليوم أخبار العالم في الصحف والمجلات أو عبر الأثير وجد تصديق ما قلنا. هذه دول الشيوعية المنكرة للأديان كالصين والروس ينددون بإسرائيل ويذمونها، ويمدحون داعي السلام والأمن، بل ربما يقدمون له الجوائز. ومما يمكن الاستدلال به قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨} [الشمس]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠} [البلد]، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:٧]، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:٣]. والمخالفون لَمَّا أنكروا حكم العقل قالوا: لا يقبح من الله قبيح، فلو فعل تعالى كل قبيح - تعالى عن ذلك - لكان حسناً؛ لأنه رب، وقالوا: إنما قبحت منا القبائح لأنا عبيد مربوبون أو مأمورون ومنهيون، فما قبح منا الظلم إلا لورود النهي وكذا الكذب والعبث، وكذا لم يحسن الصدق والوفاء والعدل إلا لورود الأمر بذلك، وقالوا: لا سبيل للعقل إلى معرفة حسن الأفعال أو قبحها البتة. --➖➖➖➖➖➖-- #نظرات_في_ملامح_المذهب_الزيدي #للسيد_العلامة_الحجة: #محمد_بن_عبدالله_عوض_المؤيدي (أيده الله وحفظه ) #العروة_الوثقى_الزيدية
Image from العروة الوثقى الزيدية: باب العدل حكم العقل اتفقت الأمة الإسلامية على أنَّ الله سبحانه وتعالى ...
👍 ❤️ 24

Comments