
محمد خالد
February 12, 2025 at 11:39 AM
قيامة سوبرنوفا
الفصل الثاني - 1
وصلتني الدفعة الثانية من الملفات بعد ثلاثة أيام من الرسالة الأولى. لا توقيع، لا تفسير، لا دليل على مصدرها. مجرد مرفق جديد بعنوان:
"عام 1999 – الشرارة الأولى."
ضغطتُ على الملف، وأنا مدرك أنني أخوض في شيء لم يكن ليصلني بسهولة… أو ربما لم يكن ينبغي أن يصلني من الأساس.
"الحياة ليست سوى برميل ممتلئ نصفه بالعسل ونصفه الآخر بالقار. قد يظن البعض أن من وقع على القار هو سيئ الحظ، لكنه في الواقع أفضل حالًا، فالعسل لا يزال هناك. أما الأسوأ حظًا حقًا، فهو من وجدهما ممزوجين."
تكساس – 1999
كانت الرحلة المدرسية إلى مستودع البضائع الضخم أشبه بمغامرة لم ينسها إبراهيم. لأول مرة، وقف وسط أكبر مستودع رأته عيناه، محاطًا بصخب زملائه الخمسة والثلاثين من مختلف الجنسيات.
في الزاوية، وقف إيهاب، متأنقًا على غير العادة، وكأن الرحلة لم تكن إلى مستودع، بل إلى حفل رسمي. شيء ما كان غريبًا في تصرفاته. رمقه إبراهيم بنظرة فاحصة لكنه آثر السكوت، لم يكن يرغب في تأجيج غروره البغيض. كلما التقت أعينهما، اكتفى إيهاب بابتسامة ساخرة، بينما تظاهر إبراهيم بعدم المبالاة، رغم أن الأسئلة كانت تتشابك في رأسه.
على بعد خطوات، وقفت المعلمة جنيفر، مشرفة الإرشاد والرحلات، تراقب الطلاب بحماس. عندما اقترب منها إبراهيم، نظر حوله بدهشة وقال بإنجليزية ركيكة:
"يمكننا التحليق بطائرة شراعية هنا داخل المستودع!"
ابتسمت جنيفر وأجابت بمرح:
"عنوان جيد للتقرير: 'طائرة شراعية تحلق داخل مستودع'... ما رأيك؟"
ضحكت بفخر، فبادلها إبراهيم الضحكة قائلاً:
"سأعتمد ذلك!"
كان يعرف أن القليل من المجاملة لا يضر.
تنهدت جنيفر، ثم مالت نحوه بصوت خافت:
"هناك الكثير لتكتشفه هنا… خاصة عن مالك هذا المكان، السيد بول."
قبل أن يتمكن إبراهيم من الرد، فاجأته بسؤال لم يكن يتوقعه، وهي تدور حول نفسها برشاقة:
"كيف أبدو؟"
نظر إليها إبراهيم دون تردد وقال بثقة:
"أجمل من جوليا روبرتس."
ضحكت بصوت عالٍ، لكنها سرعان ما كتمت ضحكتها عندما لمحَت قدوم رجل من نهاية الممر.
سرت قشعريرة باردة في جسد إبراهيم.
أخيرًا، ها هو أمامه… راعي بقر حقيقي.
هنا، وجدت أول إشارة واضحة إلى السيد بول.
بحثتُ في قواعد البيانات، في الأخبار القديمة، في أي سجل يمكن أن يشير إلى رجل بهذا الاسم في دالاس عام 1999. لم أجد شيئًا. كأن الرجل لم يكن موجودًا على الإطلاق.
لكن إبراهيم كان يتذكره بوضوح.
دخل السيد بول بخطوات ثابتة، أشبه بمقاتل روديو مخضرم. كان في منتصف الستينيات، ببشرة بيضاء ضاربة إلى الحمرة، وعينين زرقاوين واسعتين يكسوهما صرامة السنين. حاجباه الداكنان أضافا إلى ملامحه صلابة، بينما زين وجهه شارب كثيف أشقر داكن.
كان يرتدي قبعة كاوبوي بيضاء، قميصًا من الكتان الأبيض، وسترة داكنة فوقه. أما منديله الأحمر، فكان معقودًا بعناية حول عنقه، وحزامه العريض يتدلى منه شيء أشبه بحافظة تبغ محكمة الإغلاق. كان يمضغ التبغ، وبصق بقاياه في العلبة وهو يتقدم.
عندما اقترب من المجموعة، رفع قبعته محييًا الجميع بابتسامة عريضة أظهرت أسنانه المنتظمة، ثم مرر أصابعه بين خصلات شعره الغزير.
قال بصوته الجهوري وبلكنة جنوبية ثقيلة لم يفهمها معظم الطلاب:
"كم كنت بحاجة إلى ضحكة بريئة تملأ المكان صخبًا!"
تلاشى الحماس على وجوه الطلاب، لكن عيني جنيفر كانتا تلمعان بإعجاب واضح.
لمح بول ذلك، فانحنى قليلًا نحوها وسألها بصوت خافت:
"حسنًا، هل أنتِ مستعدة؟"
للحظة، شردت بذهنها بعيدًا، ثم عادت بسرعة وابتسمت، محاولًة إخفاء ارتباكها:
"نعم، الجميع متحمسون لرؤيتك."
لم يكن بول مجرد رجل أعمال عادي، ولم تكن جنيفر مجرد معلمة إرشاد بسيطة.
إبراهيم، رغم صغر سنه حينها، كان يرى شيئًا لم يره الآخرون.
في الخلفية، كان إيهاب يراقب المشهد بعيون غاضبة. أما إبراهيم، فقد رأى شيئًا آخر تمامًا.
أدرك أن العلاقة بين بول وجنيفر قد تجاوزت كل الاحتمالات التي وضعها في رأسه.
ظنّ أن سر تأنق إيهاب هو موعد مع جنيفر، لكنه كان مخطئًا تمامًا.
لم أكن أعلم بعد إن كان هذا مجرد اختبار لإبراهيم وحده، أم أن كل من كانوا في ذلك المستودع كانوا جزءًا من تجربة لم يدركوا أنهم يخوضونها.
لكن شيء واحد كان واضحًا لي: بول لم يكن مجرد رجل أعمال عادي، وإبراهيم لم يكن طالبًا عاديًا.
...يتبع
*اشتركوا في القناة لمتابعة الفصول التالية*