خليـــك واعــــي
خليـــك واعــــي
February 16, 2025 at 03:00 AM
محمد إلهامي: تعال أخبرك بفضيلة منسية ومغمورة وغير متوقعة من فضائل الحركة الخضراء وأخواتها في غزة، حفظهم الله جميعا.. وسيُعرِّفك هذا بعدها لماذا تنزل بهم هذه المذابح الشنيعة، ولماذا هم محاطون بهذه الخيانات الخسيسة من أنظمة مصر والأردن والسعودية والإمارات وغيرها. وكنت ذكرتُ سابقا أن هذه الدماء المسفوحة المسفوكة هي الثمن الذي تبذله أمتنا منعا لهدم الأقصى.. فلو هُدِم الأقصى لرأيت الملياريْن يتقطعون من الغيظ ومن الحسرة، ويود أحدهم لو قد مات دون ذلك مليون أو مليونان من الناس!! ولكن هذا الشرف قد خصَّه الله لأهل غزة، فهم يرون عضَّته في الدنيا، ويلقون أجره يوم القيامة.. والقصد الآن: أني سأذكر لك أمورًا من التاريخ هي مصداق هذا الذي أقوله الآن.. لتعرف بعدها أن هذه الحركة الخضراء وأخواتها يقومون في التاريخ بدور عظيم عظيم عظيم.. لا يشعر به أهل هذا الزمن كما ينبغي، ولا يقدروه حق قدره.. ومن قَدَر الأدوار العظيمة أن تكون التضحيات فيها عظيمة!! متى ضاعت فلسطين يا أخي الكريم؟! تعال أخبرك.. ضاعت يوم أن خرج في تركيا رجل ترك الخلافة العظيمة الشاسعة الأرض والموارد، ثم قال: نحن أبناء هذه الأرض المستطيلة، لا علاقة لنا بما وراءها، ومن كان مهتما بالخلافة فليقم خلافته التي يحب في أرضه.. أما نحن فأتراك، وهذه تركيا.. ولكي يغطي على هذه الخيانة المريرة، سمى انتزاع هذه القطعة الصغيرة: حرب الاستقلال.. ثم قضى فترة حكمه كلها يرسخ في وجدان الناس بالسلاح والأمن أولا ثم بالتعليم والإعلام والأفلام والأغاني أنها حرب استقلال تركيا!! وهكذا عزيزي القارئ الكريم انقشعت الحماية الإسلامية التي كانت تسبغها الخلافة عن أرض الشام والعراق، وصارت فلسطين من نصيب الإنجليز.. الأخطر من هذا، أن مصطفى كمال أتاتورك حين فعل ما فعل، لم يعد أحدٌ في هذا العالم يرى نفسه مسؤولا عن فلسطين ولا عن تحريرها.. وألقيت المسؤولية على أهلها الفقراء المساكين الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام الصهيونية المدعومة بالقوى العظمى!! ما علاقة هذا بما نتكلم فيه عن الحركة الخضراء؟.. اصبر معي قليلا.. سأخبرك.. هذا ضياع فلسطين.. فمتى ضاعت بيت المقدس؟! لقد ضاعت حقا حين قرر لحس ملك الأردن حسين ما قرره جده عبد الله من الدستور الذي يجعل الضفة الغربية كالضفة الشرقية وحدة مقدسة.. وأعلن في عام 1988م فك الارتباط وأن الأردن لم يعد مسؤولا عن الضفة الغربية!! وبدأت عملية شاملة -بالسلاح والإعلام والتعليم، كالتي فعلها أتاتورك- لتجعل حدود الأردن واقفة عند نهر الأردن، وعند الحدود التي وقفت عندها إسرائيل.. وصارت مهمة ملك الأردن وجيش الأردن ونظام الأردن الحفاظ على حدود الأردن!! وإلى الآن تجد منافقي النظام الأردني وذبابه الإلكتروني يفتخرون بأن الجيش الأردني حفظ الأردن وحدودها!! وهكذا اكتمل المسلسل؛ عبد الله ملك الأردن سعى بكل طاقته وبجيشه الإنجليزي للسيطرة على الضفة الغربية لتوسيع مملكته باسم العروبة.. فلما أخذها منهم الصهاينة انسحب إلى شرق الأردن باسم الوطنية.. والخاسر هو أهل فلسطين!! ونفس هذا المشهد.. هو هو.. هو نفسه.. هو عينه.. فعله النظام المصري مع غزة.. فنظامنا المصري كان مسيطرا على غزة، وضامنا فيها لأمن الصهاينة، ويطارد فيها أهل المقاومة ويعتقلهم ويعذبهم.. وكان هيكل يصدح بإدانة الغوغائيين والإرهابيين الذين يريدون إحراج عبد الناصر وتدمير مكتسبات الثورة بجره إلى حرب مع إسرائيل.. فكان ماذا؟! اجتاحت إسرائيل غزة وسيناء.. ثم جاءنا السادات فقرر أن يحافظ على "وطنه" وعلى "حدود مصر".. التي ليس منها غزة.. وترك غزة لمصيرها تحت الاحتلال الإسرائيلي!! ولا زال المنافقون في مصر والذباب الإلكتروني يمدحون السادات ومبارك بكونهما حققوا السلام لمصر، وجنبوا مصر الحروب، وحفظوا حدود مصر.. ولا أحد يتذكر هذا الغدر الشنيع بغزة.. التي صارت الآن فلسطينية تخص أهل فلسطين ولا علاقة للنظام المصري بها!! أكبر من غزة وأخطر ما فعله المجرم الهالك عبد الناصر حين فرط في السودان العظيم الشاسع الخصيب (وهذا ملف مرير لمن تتبع فصوله).. ثم حين فرط في الوحدة مع سوريا (وهي وحدة جاءته تسعى).. فرط فيهما باسم العروبة أيضا.. كل هذه الجرائم ارتكبت باسم الوطنية، الوطنية التي تتسع وتضيق بحسب أهواء النظام الحاكم، الوطنية التي تحددها في واقع الأمر الإعلام والأفلام والأغاني بعد أن ترسخها القوة المسلحة!! كل هؤلاء فرطوا في أوطان عظيمة وفي بقاع مهمة ومقدسة باسم الاستقلال، الوطنية، العروبة.. ولو ذهبت أحكي لك فلن أتوقف.. فعبد العزيز في السعودية لم يتوقف إلا حيث أمره الإنجليز، ولذلك فالحدود الحالية للسعودية ليس لها أي عمق تاريخي ولا أي شكل طبيعي ترسمه الجغرافيا.. إنما هي حدود رسمها الإنجليز.. سواء من جهة مشيخات الخليج أو العراق أو الأردن.. فكل هذه المناطق كانت خاضعة للإنجليز!! الأردن نفسها، لم تكن إلا منطقة جرداء، مجرد معبر وقبائل، ولكن سياسة الإنجليز أرادت قطعة متجمدة تحفظ الأمن ولا تثير المشكلات لا في فلسطين ولا في العراق ولا في سوريا، فجعلتها دولة، وجاءت لها بأمير، ثم سموها مملكة!! (إذا أحببت التفاصيل فثمة كتاب ممتاز اسمه: عبد الله وشرق الأردن لباحثة إنجليزية اسمها: ماري ويلسون). إذا كنت عزيزي القارئ، قد وصلت معي إلى هذا السطر.. فخذ مقصود هذا الكلام كله لقد كانت هذه الحركة الخضراء قادرة على أن تعيد تزييف التاريخ والواقع بأن تكتفي بغزة، وتصنع فيها لنفسها دولة.. وتقول كما قال هؤلاء: نحن حررنا "وطننا" غزة، وبيت المقدس ملك لجميع العرب والمسلمين وما لنا بتحريره طاقة، فمن شاء من العرب والمسلمين أن يحرره فليتقدم! لا تستغرب هذا.. إن غزة يمكنها أن تكون دولة.. وإذا نظرتَ في قائمة مساحة الدول، فسترى عشر دول مساحتها أصغر من غزة، وهذه دول معترف بها! مثل الفاتيكان ومالطا والمالديف وغيرها. وأما إذا نظرت في عدد السكان فغزة ذات الثلاثة ملايين إنسان هي أكبر من أكثر من ستين دولة معترف بها.. أي أنها تستكمل مقومات الدولة سياسيا! وفوق هذا فقد عمل الصهاينة -ومعهم الأنظمة العربية، ومعهم السلطة الفلسطينية أيضا- لزمن على تحييد غزة وفصلها عن بقية القضية، وإبقائها خارج الترتيبات النهائية وقضايا الحل النهائي.. ولكن قادة غزة قاوموا هذا بكل سبيل.. بل لقد أقدموا على استشهادهم في سبيل ألا يتم ذلك، فذهبوا إلى مسيرات العودة فلم تغنِ كثيرا، ثم بدؤوا في سيف القدس ليثبتوا معادلة أن الساحة واحدة والقضية واحدة، ثم ها هم قاموا بطوفان الأقصى!! وهذه فائدة أن يكون الحاكمون إسلاميين مخلصين، لا هم علمانيين ولا خونة مثل بقية حكام العرب والمسلمين الذين ضيعوا البلاد وأهلكوا العباد.. واخترعوا مفاهيم جديدة للوطنية تنكمش وتتمدد حسب رغبة الأجنبي!! أهل غزة وكل الأمة الآن يدفعون ثمن التاريخ الذي يحملونه فوق ظهورهم.. لقد كان ليتغير التاريخ كله لو أن الرجل القوي في تركيا كان حريصا على استعادة كل الأملاك العثمانية، فحتى لو عجزت قوته، فسيعتبرها ممالك محتلة ترث الأجيال قضيتها، وتعمل وسائل الإعلام ومناهج التعليم على تحريرها!! لقد كان ليتغير التاريخ لو أن الذي حكم مصر تشبث بكل قوته -وتحت شعار العروبة نفسه- بالسودان الشاسع الخصيب، وبسوريا.. فما كان للسودان أن يصل إلى حاله الآن، ولا للشام كذلك.. وكانت قوة البلاد كلها ستتضاعف مواردها البشرية والمادية وهو ما يجعلها أقدر على الحرب وأقدر على التنمية كذلك! لقد كان ليتغير التاريخ لو أن الذي حكم مصر وقرر أن يخوض السلام قد تشبث بغزة، على الأقل باعتبار أنها كانت تحت السيادة المصرية، ولم يتركها عزلاء تواجه مصيرها وحدها.. فلما استطاع أهلها بمعجزة خالدة أن يحرروها بعد أكثر من ربع قرن، كان النظام المصري هو الطعنة الغادرة في ظهرها والضلع الأشرس في حصارها! لقد كان ليتغير التاريخ لو أن الذي حكم الأردن قديما لم يدخل إلى المعركة ليثبت حدود التقسيم وليسلم اللد والرملة، ثم يتولى هو الضفة الغربية ليمنع كل مقاومة منها.. ولقد كان ليتغير التاريخ لو أن الذي حكم الأردن بعده ظل متشبثا وحريصا بأن الضفة الغربية هي جزء محتل من بلاده لا يستسلم لنزعها منه ولو عجز عن تحريرها!! لقد كان سيتغير التاريخ لو شعرت الأمة أن الذين اقتسموها لم يكونوا أبناء الأمة بل أبناء الاحتلال الأجنبي، وأن الأنظمة التي سادت في مصر والسعودية والعراق والأردن والإمارات ليست إلا قواعد نفوذ أجنبي.. وذلك كله هو أحد الفوارق الأساسية والجوهرية بين عصر الخلافة الإسلامية وعصور الدول القومية الوطنية الحديثة.. إن الخليفة الذي يستقر في اسطنبول مهما بلغ ضعفه وعجزه فإنه قائم على مسؤولياته، ولقد ذكر شكيب أرسلان -وهو ممن كانت له علاقات وثيقة برجال الدولة العثمانية- أن القضية الأساسية التي دخلت الدولة العثمانية لأجلها الحرب العالمية الأولى كانت هي مصر.. لقد ظلت الخلافة العثمانية غير مستسلمة ولا مُسَلِّمة لاحتلال الإنجليز لمصر، وبذلت جهدها وما استطاعت في سبيل تحريرها.. ما كان الخليفة يستطيع أن يقول: مصر للمصريين وعلى أهلها أن يحرروا أنفسهم بأنفسهم، وإنما نحن عثمانيون أتراك نهتم لأجل وطننا التركي العريق!! إن هذه الثلة الباسلة القائمة في غزة تدفع من دمها ثمن تجديد الوعي وإعادة الروح وإنقاذ الدين واسترجاع التاريخ.. لهذا يطعنونها، فإنها كالشريفة العفيفة في مدينة العاهرات.. يؤذيهن وجودها وعفافها فيتآمرون عليها ويطعنونها!! هذا هو الفضل المنسي المغمور الذي أحببت أن أحدثك عنه.. حتى لو أبيدت الحركة، ولو مُسِحت غزة.. فلقد أدوا الأمانة، وكانوا رجالا من نسل الصحابه 🪀 رابط قناة خليك واعي واتساب https://whatsapp.com/channel/0029VaKZGoqBlHpiI4EFe91s 🌐 رابط قناة خليك واعي في التيليجرام https://t.me/rerk11 🌐رابط منصة وعي تويتر https://x.com/waey1377039?s=09

Comments