د/ محمد مختار جمعة
February 7, 2025 at 05:34 PM
طاقة نور
عباد الرحمن
أ.د / محمد مختار جمعة
الأستاذ بجامعة الأزهر
******************
مقام العبودية مقام عظيم، فهو مقام الأنبياء والأولياء والأصفياء، يقول الحق سبحانه وتعالى : "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ" (ص: 45 – 47)، ويقول سبحانه في شأن سيدنا زكريا (عليه السلام) : "ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا"(مريم: 2)، ويقول سبحانه في شأن سيدنا أيوب عليه السلام:"إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ"( ص : 44)ويقول سبحانه في شأن الخضر (عليه السلام) : "فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا" (الكهف: 65) .
ولما كان مقام العبودية أشرف المقامات جاء ذكره مقترنا بفضل الله عز وجل على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في مواضع عديدة، حيث يقول الحق سبحانه : " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "(الإسراء: 1)، ويقول سبحانه : " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى"(النجم: 10)، ويقول سبحانه: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا"(الكهف: 1)، ويقول سبحانه :"تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا" (الفرقان :١ ).
وعباد الرحمن هم من يحققون صفات العبودية لله عز وجل تعبدًا، وخلقًا، وسلوكًا، وقد خصهم الله عز وجل بالذكر في كتابه العزيز أكثر من مرة، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا *إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان:63، 67).
فجعل الحق سبحانه أول صفة من صفات عباده المخلصين: التواضع والحلم وضبط النفس، فهم لا يقابلون السيئة بالسيئة فضلًا عن كونهم لا يبدأون بالسيئة أصلاً، بل يقابلون السيئة بالحسنة، ويعفون ويصفحون، حيث يقول الحق سبحانه:" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " (فصلت:34، 35).
ومن صفاتهم : الإخبات لله (عز وجل) وابتغاء رضاه، فهم يبيتون لربهم سجداً وقيامًا، شكراً لنعمه ووفاءً بحقه، رغبًا ورهبًا، ثم تأتي صفة الوسطية في الإنفاق لتكون أنموذجًا للوسطية في الحياة كلها .
ومن أخص صفات عباد الرحمن: البعد عن الولوغ في الدماء، أو سفكها، أو ترويع الآمنين، أو ارتكاب الموبقات، حيث يقول الحق سبحانه: " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان:68-70).
إن عباد الرحمن في كفالة الله وضمانه، حيث يقول سبحانه وتعالى: " أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" (الزمر: 36)، ويقول تعالى : " فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ"(الزمر: 17-18).
❤️
🌹
3