فتاوى سبل السلام
February 21, 2025 at 06:12 AM
من نفحات الخطبة القادمة
إن هذا الدين متين
٢٠ شعبان سنة ١٤٤٦
٢١/ ٢ / ٢٠٢٥
#خطبة_جمعة_د_محمد_سالم
إن هذا الدين متين
العناصر
1- ما معنى إن هذا الدين متين
2- نموذج لمتعنت كره الناس في الصلاة
3- الاسلام يكره التشدد
4- لا تضييع الدين وتتعلل بأن الدين يسر
5- لا يقبل الله نافلة حتى تؤدى الفريضة (أبو بكر الصديق)
6- الفرائض أعظم ثوابا من النوافل مهما كانت فلا يكن فهمك مغلوطا
7- الشرع ليس انت فلا تجعل من نفسك رمانة ميزان الشريعة
8- خريطة للعمل
مدخل
ها نحن مقبلون على شهر رمضان المبارك أسأل الله ان يبلغنا رمضان وأن يبارك لنا فيه ويتقبل منا
وها أنا أسأل سؤالا
متى يصوم الناس؟
والاجابة إذا ثبتت الرؤية ونعرف ذلك حينما تعلن دار الافتاء ان غدا أول رمضان فنصوم أو تقول غدا متمم فنفطر ثم نصوم اليوم التالي.
ولكن تخيل معي لو أننا قلنا نصوم قبل رمضان يوما احتياطا لانه أعلن في دولة كذا انا غدا رمضان ولم تثبت عندنا الرؤية فنتنطع ونصوم مع من صام قبلنا يوما ثم مثلا احتياطا صمنا يوما مع من تأخر بعدنا يوما فهل يمكن ان يكون الشهر الهجري واحدا وثلاثين يوما
أليس هذا من التنطع الذي نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في السنن الكبرى للنسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَتَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»
السنن الكبرى للنسائي (3/ 118/2495)
فقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحب التنطع في كل شيئ بما في ذلك العبادة لانه متى شدد الانسان على نفسه كان الامر مدعاة للترك.
لذا جاء في الحديث فعن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ» مسند أحمد مخرجا (20/ 346/13052)
وجاء في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى»
أمالي ابن بشران –(1/369/847)
فانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا تبغض الى نفسك عبادة الله عزوجل
فهل يمكن أن يبغض أحد عبادة الله ؟! أو يبغض أحد الى أحد عبادة الله عزوجل؟
نعم قد يكون هذا للأسف عندما يطيل واحد مثلا في دعاء القنوط في الفجر مثلا
وقد رأيت ذاك الرجل وهو يقول لرجل يصلى معهم يا سيدي قول لابنك حرام عليه اللي بيعملوا فينا ده احنا خلاص كبرنا ثم التفت الي وقال ينفع يا شيخ يدخل يصلى بنا الفجر ويدعى في الفجر أكثر من نصف ساعة والمسجد كله ناس كبيرة مش قادرين نقف ولم يكن الناس وقتها يجلسون على الكراسي فلما قلت لهذا الشاب يا أخي ارفق بالناس فقال اللي عاجبه عاجبه واللي مش عاجبه يصلي في مسجد آخر فما كان من الراجل الآخر إلا أن قال له لما يبقى أبوك يبني لك مسجدا ابقى صلى ان شالله حتى تقعد لحد الظهر لكن هذا مسجدنا نحن من بنيناه!
وما يزال هذا ديدن هذا الاخ الى الآن تعنت وتشدد حتى انه لم يفسد على الناس صلاتهم فقط بل وأفسد على نفسه حياته الاسرية بسبب هذا التعنت العجيب.
ورغم انه يدعي انه اوتي علم الاولين والآخرين إلا انه لم يسمع أو بالأحرى لا يحب أن يسمع ما جاء في الصحيح عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ فِيهَا، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ» صحيح البخاري (1/ 142/704)
ولنا وقفات مع عنوان هذه الخطبة
فعنوانها إن هذا الدين متين فالمتين كما يقول العلماء هو الصلب الشديد والمعنى هنا أنك إن شددت على نفسك في بلوغ الغاية في العبادة فلن تبلغ آخر هذا الدين لان الذي يشدد على نفسه يوشك أن ينقطع لذا قال فأوغلوا فيه برفق فإن المداومة هي الاساس. فقليل دائم خير من كثير منقطع
فالاسلام يكره التشدد
قال صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث ابن مسعود عند مسلم وغيره ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا صحيح مسلم (4/ 2055/2670)
أولا: لا مندوحة لأحد في التفريط في أوامر الله عزوجل بدعوى أن الدين يسر فتجد بعض الناس يهمل فرائض الله فلا يعملها وإن ذكره أحد بها يقول يا أخي الدين يسر ...ونقول نعم الدين يسر وليس تفريط فإن التفريط لا يكون يسرا أبدا
وعلى المسلم ألا يشق على نفسه في العبادة
مثلا: يؤدي الصلاة لوقتها فإنها في وقتها أخف وأيسر وعليه أن يقرأ ما تيسر ولا يتعنت فيقف حتى يمل أو يرهق ارهاقا شديد بدعوى أن السلف كانوا يفعلون
نعم السلف كانوا يفعلون ويداومون أما انت فلن تداوم فإذا داومت فافعل
فمثلا كان سيدنا أبي بن كعب يختم القرآن كل ثمانية أيام ومداومة على ذلك عمره كله وهم من هم انشغالا في جهاد وسعي على رزق وأولاد ومشقة في الاسفار والاعمال ولكنه لم يكن يترك ورده أبدا مهما كان فهل تستطيع ان تفعل فإذا لم تستطع فافعل ما تستطيع المداومة عليه فان أحب الاعمال الى الله أدومها وإن قل
لانه ربما شدد الانسان على نفسه فيمل ويترك
كم جاءنا من طالب يريد أن يحفظ القرآن ويقول اريد ان أحفظ وجهين فتقول له يا بني ابدأ بنصف وجه ولكن داوم عليه فيقول لا بل وجهان فإذا به لا يداوم إلا أياما وينقطع أليس هذا متنطع في حق نفسه
يا أخي نحن في طعامنا نأكل عدة مرات في اليوم تخيل لو ان واحد أكل مقدار الثلاث وجبات في مرة واحده هل يستطيع التنفس إن المداومة هي سر النجاح والتشدد سر الترك
لذل قال النبي ولا تبغض عبادة الله الى نفسك
كذلك بعض الناس قد يتشبث بسنة ويضيع فريضة ولا يدري أنه لا تفبل نافلة بغير فريضة أخرج أبوداود في الزهد (1/ 53/28) عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: " لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ يَسْتَخْلِفُهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ أَنْ تَحْفَظَهَا: إِنَّ لِلَّهَ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا فِي النَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ فِي اللَّيْلِ، وَاللَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ، وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ إِلَّا الْحَقُّ - أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلُ فِي الدُّنْيَا وخِفَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا.
كثير من الناس يتخيل أن الصدقة الجارية مثلا أفضل من اعطاء الزكاة أو أن صلاة قيام الليل أعظم ثوابا من صلاة الفجر في جماعة وهذا فهم مقلوب أخرج مالك في الموطأ: (1/ 129/328) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ، وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ , فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لأَنْ أَشْهَدَ صَلاَةَ الصُّبْحِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً.
كذلك من وسائل بث التشدد في الناس جعل الانسان نفسه هو رمانة الميزان فما استحسنه فهو حسن وما استقبحه فهو قبيح
والامر ليس كذلك ولكن الضابط لنا جميعا هو الشرع فاذا لم يكن مقياسنا الشرع كان الهوى ومن اتبع الهوى هوى.
كما قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الجاثية:23
فتجده مهتما بهيئات الناس ويجعل هواه هو المقياس قال سيدنا جعفر الصادق: (إياك وأن تعمل رأيك شيئا) قال الشـيخ محمد الغزالي شـارحا قول جعفر الصادق ، رحمه الله: «إياك أن تعمل برأيك شـيئا»: «الرأي الذي ينهي جعفر الصادق عن العمل به هو الهوى والابتداع، واستحداث ما لا أصل له في دين الله.
وللأسف نجد في الناس من يغتر بالجلوس بين يدي شيخ أو بقراءة بعض الكتيبات فيجعل من نفسه قاض ومفت ويقوا هذا حلال وهذا حرام ولا مسوغ لقوله الا اتباع هواه فهذا مثال صارخ للتنطع ان يتكلف الانسان ما لا يعرف
كذلك من وسائل بث التشدد المجادلة بالباطل خصوصا في قضايا لا طائل تحتها فتجد مثلا فئة من الناس تظن انها احتكرت الكلام في العقائد وأن هذه الفئة وحدها هي من تملك عقيدة سليمة ويتهمون غيرهم بل ولا يسمعون الا صوت انفسهم نغمتهم واحدة لا يقبلون النقاش اصلا ثم هم يقولون فلان فاسد العقيدة وفلان أشعري المذهب وفلان كذا كأن الله اصطفاه دون العالمين بالفهم ووكلهم بالحفاظ على عقائد الناس وغالبهم يحفظون جملا بعينها لا يفهمون معناها أصلا ولا يعرفون شيئا حتى عن نشأة من تكلم هذا الكلام
أو يظنون أنهم هم سادات علوم معينه فيظنون أنهم هم أهل الحديث دون غيرهم وترتب على هذا خروج مجموعات من المشددين على أنفسهم والمشددين على غيرهم الذين يكرهون الناس في العبادة
ويمكن أن نجمل بعض أسباب التنطع التى يتولد منها التشديد على النفس والغير فمن ذلك
1-تقديم السنن على الفرائض والجهل بفقه الأوليات ورحم الله سيدنا أبو بكر حين يقول: لا يقبل الله نافلة حتى تؤدى الفريضة
2-تضييع الوقت والجهد في البحث وراء الهيئات فأصبح تقصير الثوب ووضع السواك في الجيب مع اظهار طرفه بمثابة شهادة التخرج للبعض وعليه فله ان يفتي ويحمل لقب شيخ
3-كثرة المجادلة دون العمل فيظل يتمتم بأن أهم شيئ تصحيح العقيدة ولا يحسن الصلاة ولا معاملة الخلق بل ينظر للخلق على انهم رعاع لا هير فيهم لانهم فاسدوا العقائد خصوصا في باب الاسماء والصفات وهو يردد كلاما لا يفهمه أصلا
4- تقديس بعض الشيوخ أكثر من تقديسهم للكتاب والسنة فالشيخ فلان هو إمام الائمة وصدر الامة وان كلامه بمنزله كلام البصحابة بل ربما يقدمون فهمه على صريح النص
عباد الله
إن هذا الدين يسر لا يقبل التنطع ولا يحب المتنطعين وأنا ارسم لك خريطه كي تسير عليها
أولا : أدى الفرائض في أوقاتها صلاة زكاة صيام ...الخ
ثانيا : عليك بالنوافل وأفضل النوافل
الرواتب بعض الصلوات
ثم النوافل بعد الرواتب وأفضلها قيام الليل
ثانيا فرائض المعاملات
أن تعامل الناس عموما بما تحب ان يعاملوك به
ثم تعرف لكل ذي حق حقه ملأبوين والأرحام ونحو ذلك
ثم عليك بقلبك فنقه وأخرج أضغانه
لا تشق على الناس بافتائهم بالهوى فان اتباع الهوى مخالف لأمر الله فإذا كان أمر الله يسرا فما سوى أمر الله تنطع وتشدد؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه د.محمد سالم