
عنوان القانون ⚖ - لنشر الوعي القانوني
February 15, 2025 at 11:27 AM
*القانوني واللغة*
لنكن متفقين أن من رابع المستحيلات أن يكون المرء رجل قانون قوي ومتين إذا اقتصر اهتمامه على الاطلاع على علم القانون فقط. لا يمكن حقًا أن يتحقق ذلك؛ سيكون الأمر كمن يعمل كآلة. لكي تصل إلى المجد القانوني والعظمة القانونية وتحلق عاليًا في سماء القانون، يجب أن تنوع قراءاتك. ومن أهم مجالات المعرفة التي يجب أن تتطلع عليها كرجل قانون ترغب في أن تكون صاحب قلم رصين ينطق بالقانون هي المؤلفات الأدبية لكبار الأدباء والشعراء.
فتوجد علاقة وثيقة بين القانون والأدب، لذا فإن القانون لا يكون له معنى إلا حين يكون المؤلفون من أدباء المشرعين. فلا يعد التشريع تشريعًا إذا لم يكن القائمون عليه من أرباب الأدب، وهو ما عبَّر عنه زكي مبارك بقوله: "ما جاز لمشرع أن يوازن بين لفظ ولفظ، وبين عبارة وعبارة، إلا وهو مسير بقوة أدبية تدله على ما في الألفاظ والعبارات من أعصاب وأحاسيس".
ولأن السنهوري، واضع القانون المدني، كان أديبًا بارعًا، لذا كانت صياغة القانون المدني من أجود الصياغات القانونية. بل إن قواعدًا صاغها ذاع صيتها وانتشرت كأبيات الشعر والحكم، ومثال ذلك:
- ليس لأحد النزول عن حريته الشخصية.
- العقد شريعة المتعاقدين.
- يُفسر الشك في مصلحة المدين.
- لا يضمن البائع عيبًا جرى العرف على التسامح فيه.
إلى آخره مما ذاع واشتهر لحسن صياغته وسلاسة أسلوبه. فإذا ما انتهت صياغة القانون وتشريعه، كان دور القاضي لإنزال أحكامه على وقائع الناس. ولا بد لكي يحسن القاضي عمله أن يكون القانون معينًا يستقي منه فكره، وأن يجيد التعبير عن هذا الفكر بملكة إبداعية أدبية. فقد قال المستشار وحيد رأفت في مقاله "العلاقة بين الأدب والقانون"، المنشور بمجلة الهلال: "إن إحاطة القاضي باللغة والأدب وفن البيان والتعبير أمر لازم لتمكنه من القانون ذاته، وتحرير الأحكام القضائية فن لا يبلغ تمامه ما لم يكن لدى القاضي حصيلة كافية من الكلمات والمترادفات تسعفه باللفظ الذي يواتي المعنى المنشود دون زيادة أو نقصان".
وعن المحاماة، فالعلاقة بين مرافعات المحامين والأدب والبيان علاقة متصلة لا تنفك أبدًا. حتى أن طه حسين في مقاله "بين الأدب والقانون"، بمجلة الهلال، يناير ١٩٣٥م، قال: "إن مرافعات المحامين لأبلغ دليل على أن رجل القانون ليس مجرد كاتب شأنه شأن المؤرخ وغيره، إنما هو أديب. فإن مرافعات المحامين خطابة وكتابة وإقناع للقضاة وتأثير في نفوس السامعين، وهذا كله أدب من غير شك. وإن براعة المحامي تأتيه من الأدب أكثر مما تأتيه من القانون. إن المحامي أديب حين يخاصم فيحسن الخصومة، وحين يكتب فيحسن الكتابة، وحين يبين فيحسن الكلام".
ومن ثم، فإن رجل القانون لا بد أن يكون أديبًا إن أراد أن يحسن القيام بعمله كمُشَرع ابتداءًا، وكمحامٍ أو كقاضٍ أو كعضو في النيابة. وربما ذلك ما أراده الدكتور محمد حسين هيكل في مقاله "صلة الأدب بالقانون"، حيث قال: "إن الأدب والقانون يعالجان في الحقيقة موضوعًا واحدًا هو موضوع الحياة على اختلاف ألوانها وما يقع فيها، وهما لذلك يتزاوجان في شؤون كثيرة تزاوجًا يوجب على رجل القانون أن يلم بالأدب، وعلى الأديب أن يلم بالقانون".
وإن كان الأديب لا خسران عليه إن هو عزف عن القانون، وسيبقى أدبه قائمًا رغم هذا العزوف، فإن رجل القانون خاسر لا محالة إن هو أغفل الأدب، وباطل عمله سواء كان مُشَرعًا يسن القوانين ويضعها، أو شارحًا يكتب عنها، أو قاضيًا يطبقها، أو محاميًا يتفاعل معها تفاعلًا يُحييها.
أرجو من الله التوفيق لنا ولكم.
*`رابط مجموعة "عنوان القانون" في تطبيق التلجرام:`*
https://t.me/TitleoftheLawYE