قناة | أحمد بن ناصر الطيار
قناة | أحمد بن ناصر الطيار
February 18, 2025 at 06:59 AM
‏[معاناة فتاة من مشكلة وجوابي لها، وأثره عليها] سألتني فتاة عن جوابٍ لمشكلة تعاني منها، فوفّقني الله للإجابة وحل مشكلتها، وكان له أثر طيب عليها بحمد الله، فأحببت نشر السؤال والجواب لتعمّ الفائدة: * [السؤال]: لدي مشكلة فضلاً منكم وأود نصحكم فيها لأنها طالما أرقتني وأبعدتني عن الله عز وجل. كنت فتاة على قدر من التدين والالتزام بفضل الله وتوفيقه ومفرغة تمامًا لطلب العلم الشرعي, وهذا كان يخلق لي جوًّا من تصفية القلب من أي مكدّر, حتى امتلأ بالمعاني الإيمانية التي كانت تجعلني أشعر أني أعيش على جنة الله على الأرض. ولكن بعد مدّة من الزمن اضطررت للعمل في وظيفة مرهقة وتستغرق مني وقتًا كبيرًا, وهي كذلك مختلطة، كنت في بادئ الأمر أحاول المجاهدة لكي أحفظ قلبي أن يظل متعلقًا بالدار الآخرة, وألا أنغمس في الدنيا كثيرًا، ولكن للأسف لم أستطع إلجام نفسي وتوجيهها بحيث لا تستسلم ولا تمل من المجاهدة. ولكني للأسف ضعفت كثيرًا, وتنازلت عن كثير من الثوابت التي كانت عندي, وأصبَحَت مجاهدتي لنفسي ضعيفةً, وكنتُ ألقِي اللوم دائمًا على هذا العمل, وأنه لا حيلة لي في إصلاح نفسي وسط هذا الزخم من الضغوطات والمسئوليات. وأصبحت همومي دنيوية بحدّ كبير, وأشعر بإحباط وعدم قدرة على الموازنة أو الصبر ونفسيتي تأثرت كثيرًا. فبماذا تكرمونا بنصائحكم لكي أرجع للنسخة القديمة من نفسي وألا تؤثر الحياة بي كل هذا التأثير؟! * [فأجبتها]: قرأت رسالتك، وأعلم شعورك جيدًا، فأقول وبالله التوفيق: الأصل أننا في دار الابتلاء والجهاد والاجتهاد، فلا تظني أن مَن اصطفاهم الله وآنسهم بقربه أن حياتهم كانت صافية وبالهم دائمًا مرتاح! لا والله! أتظنين أن النبي ﷺ عاش حياته في راحة وصفاء ذهني دائم؟! لقد مرّ بأشد الابتلاءات، خاصةً في مكة، حتى أن ابتلاءكِ الذي ذكرتِ لا يُقارَن بعُشر مِعشار ما ابتُلي به ﷺ. كيف كانوا يؤذونه بعبارات قاسية؟ كيف خرج إلى الطائف يبحث عمّن ينصره؟ كيف واجه في المعارك الآلام والأوجاع والفقد الكثير؟ وكذلك الصحابة رضي الله عنهم! كانوا دومًا في سفر وعمل وجهاد، والجهاد خاصةً فيه خوف، وقلق، ومعارك تُكدّر الخاطر! لكن قلوبهم لم تكدّر مع الله، لماذا؟ لأن عندهم أمران أساسيان: 1. الصدق مع الله: أن يكون همّكِ الأول رضا الله عز وجل. 2. الترتيب والتنظيم, فكانوا يرتبون أوقاتهم، وينظمون حياتهم. فلا تجعلي عملكِ منفصلاً عن العبادة، بل اجعلي لكِ نظامًا يحفظ عليكِ صفاء القلب، مثل: 1-الالتزام بالحدود مع الرجال، لأن التبسط يكدّر خاطركِ مع الله. 2-التمسك بالحجاب الشرعي. 3-السعي لأن يكون محيط عملكِ نسائيًا ما أمكن. وإذا صدقتِ مع الله، سيعينكِ الله، وييسّر لكِ طرق الخير من حيث لا تحتسبين. * [وصايا لحياة قلبكِ وصفاء خاطركِ]: 1-لزوم ذكر الله دائمًا، سواء في العمل أو المواصلات، فاجعلي لسانكِ لا يفتر عن الذكر. 2-حفظ القرآن، فهو أعظم وسيلة لصفاء النفس والقلب. 3-قيام الليل، ولو نصف ساعة قبل النوم، فهذا دواء القلوب وراحة الأرواح. 4-نشر العلم، كوني مؤثرة في محيطكِ، ولو بكلمة طيبة. واعلمي أن كل الناس مشغولون, لكن منهم من ثبت وأصلح، ومنهم من تشتت وانشغل بالدنيا! رسالتي لكِ: الله الله بالثبات على الدين! الله الله بالصدق والإخلاص! الله الله بالالتزام بشرع الله، وألا تخافي في الله لومة لائم! وأخيرًا، أنصحكِ بقراءة الكتب التي تملأ قلبكِ بالمعاني الإيمانية الرفيعة مثل: -كتاب "الأنس بالله". -كتاب "الإكسير" (ملخص مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله). أسأل الله أن يرزقكِ السكينة والثبات، ويجعلكِ من أوليائه الصالحين. * [ثم أرسلت لي بعد ذلك رسالةً جاء فيها]: بفضل الله، تغيّر حالي كثيرًا في المدة الماضية, حين انغرَسَت في ذهني حقيقة أن الدنيا دار ابتلاء، وأن الله يحب منا عبادته في كل حال قدّره لنا، وبدأت أنظر للأمور بشكل مختلف, كنت أستحضر حياة النبي ﷺ والابتلاءات العظيمة التي مرّ بها، وكيف لم تُثنه ذلك - صلوات ربي وسلامه عليه - عن عبادة الله والإخلاص له والأُنس به. ومما أعانني على ذلك أيضًا: استشعاري أن وقت العمل لم يذهب سُدى، إذ كنت أُذكّر نفسي دائمًا بألا يفتر لساني عن ذكر الله، فكان لذلك أثر عظيم في نفسي. وبصدق، كانت لنصائحك بالغ الأثر، فجزاك الله عنا خير الجزاء.
❤️ 5

Comments