
منصة الجماهير المدنية #مجد
February 4, 2025 at 05:39 AM
السقوط الأخلاقي
كيف يفعلونها؟
• محمد م. راجي
التحريض المُنظم لنفي "الانسانية" عن الآخر (الخصم) وتجريده من كل يتصل بها من حقوق طبيعية ومدنية، هو أخطر ما أنتجته هذه الحرب، فالآخر؛ "حيوانٌ" و"حشرةٌ" و"قردٌ" و"قذرٌ" و"وسخٌ" و"عفنٌ" و"أقل تحضرًا" و"لص" و"قاطع طريق" و"عواليق" و"بُلداي" و"فلنقاي" وغيرها من الصفات والمُسميات التي تزدري الآخر وتحِطُّ من قدره كإنسان، وتضعه في قاعدة الهرم الإنساني، أو خارجها.
أليس هذا ما نسمعه من قادة طرفي الحرب في كل خطابهم؟ وما يطرق آذاننا، على مدار الساعة، من إعلام دعاة الحرب، ومن مؤيديهم الناشطين على وسائط التواصل الاجتماعي، منذ اشتعال حرب الرابع عشر من أبريل 2023، وحتى هذه اللحظة؟
و"التجريد من الإنسانية" ((Dehumanization، الذي نتحدث عنه، فعل مقصود غايته النهائية تشكيل صورة ذهنية لدى جمهور المؤيدين والمساندين والداعمين بأن "الخصم" ليس إنسانًا، وإنما جرثومة مؤذية وطفيل قاتل وكلب عَقُور يستحق السحق والقتل والإبادة، دون أي رحمة، ودون أي صحيفة اتهام أو حكم من قاضٍ.
هذا التصنيف المزاجي، فتح الباب واسعًا لقبول موجة عاتية وغير مسبوقة، من القسوة والوحشية والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القانون، والتدوين العشوائي والقصف بالبراميل للاحياء المدنية والتطهير على الهوية.
والاعتقاد، الكاذب، بعدم إنسانية الخصم يرفع عن مرتكب الجُرم الحرج كما يحصنه ضد أي مسؤولية قانونية أو أخلاقية. وهذا ما سهل على حامل البندقية قتل زميل دراسته بلا رحمة، وشرّع لحامل السكين ذبح طفل بريء أو تمزيق بطن امرأة حامل، بلا هوادة ودون أي تأنيب من ضمير، وسط إساءات لفظية وجسدية وتهليل وتكبير من المنفذين وجماعة الناس العاديين. ولا أحد يقبض عليه ولا أحد يُحاكم.
و"نزع الصفة الإنسانية" عن الخصم، ليس ممارسة حديثة إنما هي مُمارسة قديمة قدم الحرب نفسها؛ فخلال الحرب العالمية الأولى ظهر ملصق دعائي نمساوي يصور أحد الصرب على أنه إرهابي يشبه القرد. وظهر ملصق أمريكي من الحرب العالمية الثانية يظهر فيه جندي ياباني على شكل فأر. والنازيون في تبرير جرائم ابادتهم لليهود نشروا بين الناس بأن اليهودي «Untermenschen»، أي "جنس دون البشر". وحين وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين بـ"حيوانات بشرية"، كان يقصد ما قاله تمامًا. أما قبائل "الهوتو" فعند مشاركتها في حرب الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا، وليبرروا ما يرتكبون من جرائم فظيعة ضد قبائل "التوتسي" قالوا إنهم صراصير. وعلان استقلال الولايات المتحدة جرد الأمريكيين الأصليين من إنسانيتهم بوصفهم "متوحشين هنود لا يرحمون"، فيما جرد الأمريكيون ذوي الأصول الأفريقية من إنسانيتهم بتصنيفهم "رئيسات غير بشرية" (Non-human primates)، بما شرع لاستعبادهم.
هذه الحرب كشفت بجلاء أن قطاعًا واسعًا من السودانيين يختزن في تكوينه النفسي والغريزي قدرًا عظيمًا من القسوة والعنف، وقادر على ارتكاب أفظع الأعمال الوحشية، أو على الأقل قبولها وعدم الاعتراض عليها.
إنها الغوغائية المنظمة في قمتها،
غوغائية يدفع ثمنها الشعب السوداني، أرواحًا، ودماءً، ودمارًا، وتشردًا، ومستقبلًا سياسيًا مظلمًا.
#مجد| 4فبراير2025م
😢
1