الشيخ محمدعبدالواحد
الشيخ محمدعبدالواحد
February 6, 2025 at 11:01 AM
من دروس تحويل القبلة بيان مواقف السفهاء الخطبة الأولى أما بعد: إخوة الإسلام: حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن (من دروس تحويل القبلة بيان مواقف السفهاء) فكم تكلم المتكلمون عن دروس وعبر تحويل القبلة ويفتح الله تعالى على كل منهم من علمه وفضله وها أنا أتكلم معكم عن طائفة لا يخلو من زمان ولا مكان ينابذون أهل الحق ويحاربون أهل الفضيلة وينشرون كل رذيلة في المجتمع يطعنون في الثوابت ويلقون الشبة والشبهات من أجل بث الشك في دين الحق إنها طائفة السفهاء طائفة لها جذور في زعزعة الأمن والإيمان، طائفة إما مستأجرة وإما غبية لا تفهم الحق ولا تريده، نراهم على الشاشات وفي البرامج والمحاورات وكذا في المنتديات. فمن هم السفهاء؟ وما هي مواقفهم في القران الكريم؟ وما هي صورهم في هذا العصر؟ هذا ما سنحاول بيانه بحول الله وطوله. تعريف السفيه: فأصل السفه في اللغة: نقص وخفة العقل والطيش والحركة. قال صاحب تفسير المنار: والسَّفَهُ وَالسَّفَاهَةُ: الِاضْطِرَابُ فِي الرَّأْيِ وَالْفِكْرِ أَوِ الْأَخْلَاقِ. يُقَالُ: سَفَّهَ حِلْمَهُ وَرَأْيَهُ وَنَفْسَهُ. وَاضْطِرَابُ الْحِلْمِ -الْعَقْلِ- وَالرَّأْيِ: جَهْلٌ وَطَيْشٌ، وَاضْطِرَابُ الْأَخْلَاقِ: فَسَادٌ فِيهَا لِعَدَمِ رُسُوخِ مَلَكَةِ الْفَضِيلَةِ. اهـ معنى السَّفَه اصطلاحًا: السَّفَه: نقيض الحِلْم وهو سرعة الغضب، والطَّيش مِن يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسَّرف في العقوبة، وإظهار الجزع مِن أدنى ضررٍ، والسَّبُّ الفاحش. وقال ابن القيِّم رحمه الله: (السَّفَه غاية الجهل، وهو مركَّبٌ مِن عدم العلم بما يُصْلِح معاشه ومعاده، وإرادته بخلافه). موقف السفهاء من الأنبياء: ولقد وقف السفهاء في كل عصر ومصر من أصحاب الرسالات ومن المصلحين موقف شاذة إن دلت فإنما تدل على الطيش والسفه وقلة الإدراك لما يقومون به ونستعرض صورا من تلك التفاهات. موقف السفهاء من رسالة ونبي الله نوح - عليه السلام -: اعلم بارك الله فيك - أن السفه لا يخص طائفة معينه بل قد يكون السفيه صاحب وجاهة ومكانة في قومه إلا أن أفعاله تجاه الحقائق والبراهين تدل على رعونته وسفاهته وهذا ما حدث مع نبي الله نوح - عليه السلام - فها هم الملا علية القوم يسخرون ويستهزؤون من رسالة ودعوة نوح - عليه السلام - قال الله تعالى: ﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 60 - 62]. نوح الذي جاء ليبين لهم أن عبادتهم الأصنام لا تجلب لهم نفعا ولا تدفع عنهم ضرا وصفوه بالضلال أية عقول تلك التي لا تميز بين النافع والضار؟ وإلى متى بلغ بهم استخفاف أقوامهم وتسفيه عقولهم عندما اخبروهم أن هذه الأصنام آلهة أو شفعاء لهم عند الله؟ إنه سفه العقول الذي يقود صاحبه إلى الهاوية و إلى العذاب الأليم. ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [هود: 27 - 32]. موقف السفهاء من نبي الله موسى عليه السلام: لقد عانى نبي الله موسى عليه السلام - من سفه قوم فرعون ومن بني إسرائيل العناء الشديد فقد كان لهؤلاء السفهاء دورا بارزا في محاربة نبي الله موسى عليه السلام - والصد عن سبيل الله و الوقوف أمام دعوة الحق واستخدموا كل ما لديهم من وسائل لمحاربة الدعوة. موقف السفهاء من بني إسرائيل من موسى - عليه السلام -: يظهر موقف السفهاء ذوي العقول الطائشة من نبيهم موسى - عليه السلام - في تلك الشائعات التي روجوها عنه بأنه به عاهة أو درن في جسده وذلك لأن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عاريا ينظر بعضهم إلى عورة بعض ولكن كليم الله موسى - عليه السلام - كان شديد الحياء فكان يغتسل وحده فشنع عليه السفهاء من أجل ذلك قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69]. أخرج الإمام البخاري عند تفسير هذه الآية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَتَسَتَّرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عيب في جلده إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، فَخَلَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فرغ أقبل على ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثُوبِي حَجَرٌ، ثُوبِي حَجَرٌ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَباً مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا - قَالَ - فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69]. موقف فرعون وملائه من السفهاء من كليم الله موسى - عليه السلام: لقد وقف السفهاء من موسى - عليه السلام - موقف كلها تدل على الرعونة والخفة والسفه، فوصفوا موسى - عليه السلام - بالإفساد رغم أنه جاء ليحررهم من فساد فرعون وجند فها هو رأس الفساد وأسفه من عرفته البشرية فرعون اللعين الذي وصفه الله بخمسة جرائم فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4]. فتأملوا في ذلك الغر المأفون وهو يقول لقومه ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]. يقول سيد قطب - رحمه الله - (فهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثني، عن موسى رسول الله - عليه السلام - ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]؟!! أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟ أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ؟. إنه منطق واحد. يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر. والصلاح والطغيان على توالي الزمان واختلاف المكان. والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين.[1] وعلى منوال الطاغية نسجت حاشية السفهاء فوصفوا موسى بالإفساد ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]. تطاول السفهاء على سيد الأصفياء - صلى الله عليه وسلم -: اعلم - بارك الله فيك -: أن السفهاء من قريش تطاولوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعنوا في رسالته وصدر سورة القلم يوضح لنا مدى سفه كفار مكة قال الله تعالى مدافعا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴾ [القلم: 1 - 16]. تهكمهم من رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث دعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد فقالوا في خفة وطيش كما أخبرنا العليم الخبير عن مقالهم ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ * أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ﴾ [ص: 4 - 8]. سخرية السفهاء من قضية تحويل القبلة: لقد تجمع السفهاء من اليهود و المنافقون و المشركون جميعا ليطعنوا في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما منَّ الله على نبيه بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام قال الله تعالى مخبرا عن سفه هؤلاء ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142]. قال البيضاوي في تفسير السفهاء وأحسن ما شاء: هم الذين خفت أحلامهم واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن النظر، يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين. وفائدة تقديم الإخبار توطين النفس وإعداد الجواب ا هـ.[2] قال السعدي - رحمه الله -: (قد اشتملت الآية الأولى على معجزة، وتسلية، وتطمين قلوب المؤمنين، واعتراض وجوابه، من ثلاثة أوجه، وصفة المعترض، وصفة المسلم لحكم الله دينه. فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس، وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن، وهم اليهود والنصارى، ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله وشرائعه، وذلك أن المسلمين كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس، مدة مقامهم بمكة، ثم بعد الهجرة إلى المدينة، نحو سنة ونصف - لما لله تعالى في ذلك من الحكم التي سيشير إلى بعضها، وكانت حكمته تقتضي أمرهم باستقبال الكعبة، فأخبرهم أنه لا بد أن يقول السفهاء من الناس: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142] وهي استقبال بيت المقدس، أي: أيُّ شيء صرفهم عنه؟ وفي ذلك الاعتراض على حكم الله وشرعه، وفضله وإحسانه، فسلاهم، وأخبر بوقوعه، وأنه إنما يقع ممن اتصف بالسفه، قليل العقل، والحلم، والديانة، فلا تبالوا بهم، إذ قد علم مصدر هذا الكلام، فالعاقل لا يبالي باعتراض السفيه، ولا يلقي له ذهنه. ودلت الآية على أنه لا يعترض على أحكام الله، إلا سفيه جاهل معاند، وأما الرشيد المؤمن العاقل، فيتلقى أحكام ربه بالقبول، والانقياد، والتسليم كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36] ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء: 65]، ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النور: 51] وقد كان في قوله ﴿ السُّفَهَاءَ ﴾ [النساء: 5] ما يغني عن رد قولهم، وعدم المبالاة به.[3] أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين... اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.... أما بعد: التحذير من إمارة السفهاء: وانطلاقا من حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته جاء التحذير من إمارة السفهاء فقد يصل المرء إلى درجة مرموقة ويصل إلى سدة الحكم ولكنه في خفة و طيش ورعونة السفهاء وأسوتهم في ذلك فرعون لعنه الله تعالى - وهل ما نراه الآن من ظلم وتعسف وإزهاق للأرواح في سورية وغير من بلدان العالم إلا بسبب تسلط السفهاء على سدة الحكم؟ عن جابر بن عبد الله: (أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: أعاذك الله مِن إمارة السُّفَهاء. قال: وما إمارة السُّفَهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنُّون بسنَّتي، فمَن صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منِّي ولست منهم، ولا يردوا على حوضي، ومَن لم يصدِّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منِّي وأنا منهم، وسيردوا على حوضي) [4]. (إمارة السُّفَهاء، وهو فعلهم المستفاد منه مِن الظُّلم والكذب وما يؤدِّي إليه جهلهم وطيشهم) [5]. قال المناوي: (إمارة السُّفَهاء -بكسر الهمزة-. أي: ولايتهم على الرِّقاب؛ لما يحدث منهم مِن العنف والطَّيش والخِفَّة، جمع سَفِيهٍ، وهو ناقص العقل، والسَّفَه) [6] سفهاء أخبر عنهم سيد الأصفياء: إن الناظر إلى ما يدور في كثير من الفضائيات عبر الشاشات وكذلك عبر مواقع الاتصال الاجتماعي ليرى سفهاء قد جعلوا دين الله تعالى لهم هدفا وسبوبة يكتسبون من خلفها المال. فرأينا من يطعن في الصحابة ورأينا من يطعن في صحيح السنة ورأينا من يشكك في القرآن ورأينا سفهاء الأحلام يعترضون على كلام وأحكام رب الأنام فهذا يقول: إن الإسلام ظلم المرأة وآخر يقول بوجوب المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وآخر يقول يجب تحرير المرأة من الإسلام.................. كل هؤلاء سفهاء مأجورين. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج في آخر الزَّمان أقوامٌ أحداث الأسنان، سُفَهَاء الأحلام، يقولون مِن خير قول البريَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة)) [7]. وها هو ذلك الزمان الذي أصبح فيه السفيه الكذاب مصداقا في قوله وأصبح العالم النحرير مكذبا في قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّها ستأتي على النَّاس سنونٌ خَدَّاعَة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصَّادق، ويُؤْتَمَن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّويبضة. قيل: وما الرُّويبضة؟ قال: السَّفيه يتكلَّم في أمر العامَّة)) [8]. صدق ابن القيم رحمه الله عندما قال عن أشباه هذا الرويبضة: [ومنهم من مخالطته حمى الروح وهو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به فهو يحدث من فيه كلما تحدث ويظن أنه مسك يطيب به المجلس وإن سكت فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض] [9] أقوال السَّلف والعلماء في التحذير من السفهاء: ولقد حذر السلف من السفهاء ومن مجالستهم فكانوا يوصي بعضهم بعضا و يوصي الآباء الأبناء ومن خطورة مجالسة السفهاء. عن أبي جعفر الخطمي أنَّ جدَّه عمير بن حبيب -وكان قد بايع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أوصى بنيه، قال لهم: (أي بني! إيَّاكم ومخالطة السُّفَهاء؛ فإنَّ مجالستهم داء، وإنَّه مَن يَحْلم عن السَّفيه، يُسَرَّ بحلمه، ومَن يُجِبه يندم) [10]. وأوصى المنذر بن ماء السَّماء ابنه النُّعمان بن المنذر، فقال: (آمرك بما أمرني به أبي، وأنهاك عمَّا نهاني عنه: آمرك بالشُّح في عِرْضك، والانخِدَاع في مالك، وأنهاك عن ملاحاة الرِّجال وسيَّما الملوك، وعن ممازحة السُّفَهاء..)[11] قال عمير بن حبيب بن خماشة - وكان أدرك النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- عند احتلامه. يوصي بنيه فقال: «بنيَّ إيّاكم ومجالسة السّفهاء؛ فإنّ مجالستهم داء، من يحلم عن السّفيه يسرّ، ومن يجبه يندم، ومن لا يرض بالقليل ممّا يأتي به السّفيه يرض بالكثير» [12] الدعاء ... [1] في ظلال القرآن (6/ 254). [2] تفسير المنار (2/ 4). [3] تفسير السعدي (ص: 70). [4] مسند أحمد ط الرسالة (22/ 332) 14441. [5] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (11/ 337). [6] فيض القدير (3/ 194). [7] مسند أحمد ط الرسالة (2/ 53) أخرجه مسلم (1066)، والبزار (568)، وأبو يعلى (261). [8] مسند أحمد ط الرسالة (13/ 291) وأخرجه الحاكم 4/465-466. [9] بدائع الفوائد (2/ 274). [10] السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي (10/ 95). [11] المجالسة وجواهر العلم (6/ 21). [12] [مجمع الزوائد (8/ 64) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات]. رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/115641/%D9%85%D9%86-%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D9%87%D8%A7%D8%A1/#ixzz8z6lg2aj6

Comments