✍️ *أحمد مولانا* هال براندز هو أحد المنظرين الأمريكيين الجدد في مجال الاستراتيجية الكبرى، نشر عدة كتب منها كتاب منشور في يناير 2025 بعنوان القرن الأوراسي، بإذن الله سأنشر منه بعض المقتطفات المفيدة الواردة فيه، وهذه فقرات منتقاة: إن أوراسيا هي المنطقة الحرجة التي لا يمكن لواشنطن أن تسمح لأي منافس بالحكم فيها. على مدى أجيال، كان كل من هم على دراية بالشؤون العالمية يدركون أن أوراسيا هي منطقة تصادم الإمبراطوريات. منذ أوائل القرن العشرين كانت أوراسيا بمثابة ساحة المعركة للتنافس العالمي نظراً لضخامة حجمها وقيمتها. تتألف أوراسيا من المساحة المشتركة لأوروبا وآسيا. وهي تشمل الجزر النائية لهاتين القارتين، والتي ترتبط بهما ارتباطاً وثيقاً عن طريق البحار الهامشية لأوراسيا، فضلاً عن شمال أفريقيا الذي يرتبط بأوروبا ارتباطاً وثيقاً عن طريق البحر الأبيض المتوسط، كما تفصله الصحراء الكبرى عن بقية أفريقيا. وعلى هذا فإن أوراسيا تمتد من آسيا الساحلية في الشرق إلى شبه الجزيرة الأيبيرية والجزر البريطانية في الغرب، ومن المحيط المتجمد الشمالي في الشمال إلى المحيط الهندي في الجنوب. تشكل أوراسيا ثلث مساحة الأرض، وهي تضم نحو 70% من سكان العالم، فضلاً عن الجزء الأكبر من قوته الصناعية وإمكاناته العسكرية، وهي مهد الديانات الخمس الكبرى للبشرية، ومهد العديد من الحضارات التي شكلت العالم. تشكل بحار أوراسيا الداخلية، من البحر الأبيض المتوسط إلى بحر الصين الجنوبي، أحزمة ناقلة للتجارة؛ كما تمس أوراسيا جميع المحيطات التي تحمل البضائع والأساطيل والجيوش حول العالم. وباختصار، تمثل أوراسيا جائزة لا مثيل لها؛ فهي المركز الاستراتيجي للعالم. يعود المصطلح نفسه إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأ الجغرافيون والاستراتيجيون في التفكير في القارتين المتجاورتين باعتبارهما مسرحًا واحدًا موحدًا. عندما ظهر مفهوم أوراسيا، كان رجال الدولة قد بدأوا للتو في إدراك التداعيات الاستراتيجية المترتبة على النفط والقوة الجوية؛ وبحلول عشرينيات القرن الحادي والعشرين، دخلت أوراسيا يدخلان مرحلة انتقالية طويلة وفوضوية نحو نظام طاقة جديد ويواجهان احتمال نشوب صراع في المجال الرقمي. لقد كانت النقطة البحرية الساخنة الكبرى في أوراسيا ذات يوم هي بحر الشمال، حيث واجهت ألمانيا وبريطانيا بعضهما البعض؛ أما اليوم فإن الممرات المائية الأكثر أهمية هي مضيق تايوان، وبحر الصين الجنوبي، وأماكن أخرى تلتقي فيها القوتان الصينية والأميركية. ولكن ما لم يتغير، في خضم كل هذا التطور والثورة، هو أن أوراسيا هي المكان الذي تدور فيه الأحداث: حيث يعيش أغلب سكان العالم ويجري نشاطهم الاقتصادي؛ حيث توجد أقوى دول العالم، باستثناء أميركا؛ وحيث تشكل مناطقها وبحارها الرئيسية موطناً لأشد التنافسات حدة والتي تحدد معالم الجغرافيا السياسية. وهذا هو السبب وراء تقلب العالم وإعادة تشكيله وتدميره مراراً وتكراراً بسبب الصراعات المصيرية حول القارة الأوراسية العظمى وممراتها المائية.