قناة الفقيه المفكّر الأستاذ ميمون نكاز
قناة الفقيه المفكّر الأستاذ ميمون نكاز
February 4, 2025 at 01:11 PM
[عُجَابُ "الشرذمةِ الغائظة القليلة" في صنائع الطغيان وحشوره] إن تعجب في الاعتبار الوجودي فاعجب من الطغاة المستكبرين الأمثال؛ أمثال فرعون المستعلين بالظلم والباطل والفساد في الأرض، فرعون الذي شيع الناس في الأرض واستفرد -عدوانا وتنكيلا- باستضعاف الطوائف التي تتأبى على سطوته وسيطرته وإخضاعه واستعباده طائفة طائفة، يُشَظي الأجسادَ منها بالقتل البطاش والتنكيل الفتان وسفك الدماء بالسيول والأنهار، لا فرقان عنده بين شيوخ ورجال، ونساء وأطفال، بين العجزة المسالمين والعابدين والمحاربين، يُقَطِّعُ الأرجلَ والأيْديَ من خلاف، يُذَبِّحُ الأبناءَ ويستحيي النساء، متباهيا بالفوقية القاهرة، لا بَيْنَ في منطق جبروته الإجرامي -حين سعيه في هَلَكَةِ الحرث والنسل- ولا فرق بين مسجد ومعبد، أو مدرسة أو مستشفى أو ملعب، أو مسكن للأرامل واليتامى والثكالى، أو مرابض للغنم أو معاطن للإبل، أو ثكنة أو ثغر، ولا خُلْفَ عنده بين ماء أو حجر، أو حيوان أو شجر، كل ذلك عنده سواء، جاء في الوحي الشريف:{وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ٰ⁠مِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَ ٰ⁠تࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾ [الحج ٤٠]، وفيه جاء أيضا: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِی قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُفۡسِدَ فِیهَا وَیُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ، وَإِذَا قِیلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ}[البقرة ٢٠٤-٢٠٦]، جاء في الوحي الشريف: {إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤئفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ}[القصص٤]، ونتلو منه:{﴿وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِیُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَیَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَـٰهِرُونَ}[الأعراف١٢٧]، ونستحضر منه قول الطاغية لنخبة السحرة الذين أرادوا التحرر من استمتاعه بتسخيرهم لخدمة طغيانه وإفساده، استجابة منهم لبصائر الحق في دعوة نبي الله موسى عليه السلام:﴿ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِیرُكُمُ ٱلَّذِی عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَیۡدِیَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَـٰفࣲ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِی جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَیُّنَاۤ أَشَدُّ عَذَابࣰا وَأَبۡقَىٰ}[طه٧١]... يفعل "الطاغية المستكبر" ذلك كله من أجل "توحيد الربوبية والألوهية" في نفسه وذاته، يريد أن يختص بهما حيث لا يريد أن يشاركه فيهما أحد، ولا يقبل أن ينازعه عليهما منازع: { فقال أنا ربكم الأعلى}[النازعات ٢٤]، {وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرِی فَأَوۡقِدۡ لِی یَـٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطِّینِ فَٱجۡعَل لِّی صَرۡحࣰا لَّعَلِّیۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰۤ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّی لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ، وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ إِلَیۡنَا لَا یُرۡجَعُونَ، فَأَخَذۡنَـٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡیَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِینَ، وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَئمَّةࣰ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَا یُنصَرُونَ، وَأَتۡبَعۡنَـٰهُمۡ فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا لَعۡنَةࣰۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِینَ﴾ [القصص ٣٨-٤٢]... إن تعجب في سياق هذا الاعتبار الإرثي الوجودي فاعجب من رعب هذا الاستكبار وخوف هذا الطغيان وخشيته من "الشرذمة القليلين"، الغائظين له ولأَمْلاَئِه، الشرذمة المزعجين لسكينته وراحته، فهو وأَمْلاؤه منهم حذرون:{وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِیۤ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ، فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِی ٱلۡمَدَاۤئنِ حَـٰشِرِینَ، إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ لَشِرۡذِمَةࣱ قَلِیلُونَ، وَإِنَّهُمۡ لَنَا لَغَاۤئظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِیعٌ حَـٰذِرُونَ، فَأَخۡرَجۡنَـٰهُم مِّن جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ، وَكُنُوزࣲ وَمَقَامࣲ كَرِیمࣲ، كَذَ ٰ⁠لِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَـٰهَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ﴾ [الشعراء ٥٢-٥٩]... فإن عجبت من ذلك، فاعلم أنه يستفاد من نص السياق القرآني أن محاذير الطغيان من "الشرذمة الغائظة القليلة" لا تنفعه، وذلك لجريان الأقدار الإلهية على خلاف مقتضاه من طغيانه ومبتغاه من علوه واستكباره، كما لن تنفعه صياصيه ولا حصونه، ولا جناته ولا كنوزه، ولا مقامه الكريم ولا جنوده، ولا منافقوه من الأنصار والأعوان والأشياع المرتزقة المنتفعين من خبائث كسبه... نقرأ في الوحي الشريف قول نبي الله موسى عليه السلام لقومه الذين قالوا:{أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا}، قال لهم موسى: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}[الأعراف١٢٩]... ويبقى الأصل البياني القرآني واعدا حاكما قاطعا: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شَیۡـࣰٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَئكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ﴾ [النور ٥٥]... هذا بعض البيان في جدل المستضعفين بالحق والإيمان مع الاستكبار والفساد والطغيان، والأعجب منه وفيه صنائع "الشرذمة الغائظة القليلة" فيه وفي حشوره..{﴿قُل لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ، قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَایَةࣱ فِی فِئَتَیۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةࣱ تُقَـٰتِلُ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةࣱ یَرَوۡنَهُم مِّثۡلَیۡهِمۡ رَأۡیَ ٱلۡعَیۡنِۚ وَٱللَّهُ یُؤَیِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾ [آل عمران ١٢-١٣]... ذ. ميمون نكاز 02/02/2025

Comments