
قناة الفقيه المفكّر الأستاذ ميمون نكاز
February 17, 2025 at 06:39 PM
[ في نقض فقه التحريف]
قال المحرف الخدوم لفقه الصهينة : المستضعف مكلف بالهجرة، الهجرة مأذون له فيها، بل واجبة عليه إذا خشي على نفسه وأهله وماله وولده، يبتغي الإيحاء بمطلوبية الهجرة ومشروعيتها، بل بوجوبها على أهلنا في غزة وفلسطين، يستظهر في الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: {﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفّاهُمُ ٱلۡمَلَائكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَائكَ مَأۡواهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا}[النساء٩٨]، فجعلهم بفقه التحريف هذا ظالمين لأنفسهم، بل مأواهم جهنم وساءت مصيرا، حين يقتلون ويشردون ويروعون، إذ لم يهاجروا...
قلت: هذا من تحريف الكلم عن مواضعه، ذلك لأن الآيات على معاكسة تامة لهذا التأويل التحريفي، حيث أنها إنما نزلت في جماعة من المسلمين رضوا بالبقاء في مكة بين ظهراني المشركين يكثرون سوادهم، عاجزون عن إقامة دينهم وهم قادرون على الهجرة، كان المشركون يخرجونهم معهم في مناوشاتهم للمسلمين فتصيبهم سهام القتل من قبل المسلمين، فنزلت الآيات في خاصتهم وشأنهم...
الآيات في الحقيقة دالة على وجوب القومة على الاستضعاف وذلك بالهجرة الانتقالية الانتصارية الولائية للإسلام والمسلمين في دولتهم بالمدينة، ولا صلة للنص القرآني بحيثيات التهجير الذي يراد لأهل غزة في فلسطين ويُبْتَغَى منهم، حيث المقاصد والغايات والأهداف معلومة مفضوحة...أما أهل الأعذار منهم العاجزون عن الهجرة فلهم العفو والمغفرة، جاء في سياق الآيات :{إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ حِیلَةࣰ وَلَا یَهۡتَدُونَ سَبِیلࣰا، فَأُو۟لَائكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورࣰا}[النساء٩٨-٩٩]، فالنص بتمامه:{﴿لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ غَیۡرُ أُو۟لِی ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ دَرَجَةࣰۚ وَكُلࣰّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ أَجۡرًا عَظِیمࣰا، دَرَجَـٰتࣲ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةࣰ وَرَحۡمَةࣰۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا، إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفّاهُمُ ٱلۡمَلَائكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَائكَ مَأۡوَاهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا، إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ حِیلَةࣰ وَلَا یَهۡتَدُونَ سَبِیلࣰا، فَأُو۟لَائكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورࣰا، وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰغَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾ [النساء ٩٧-١٠٠]...
في قوله تعالى:{وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰغَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾ [النساء- ١٠٠] بيان لطبيعة هذه الهجرة، إنها هجرة تحرير للذات من الاستضعاف، وقومة عليه بالتحرف والتحيز والانتقال إلى أرض المراغمة والسعة، قد قُصِدَ بالأرض في المحل "دولة المدينة"، حيث "المقاومة الشاملة للطغيان والظلم والاستضعاف"، ومن مات في طريقه إلى "الحرية والعزة" {فقد وقع أجره على الله}[النساء ١٠٠]...
هذه حقيقة "الهجرة التحريرية الانتصارية" في سياق آيات الوحي الشريف، وذلك هو "التأويل التحريفي" لدلالة الآيات في "الفقه الخدوم للأمركة والصهينة" في مشروع التهجير الطغياني لأهل غزة في فلسطين...
ثم أزيد قائلا: التكليف الصريح والمؤاخذة الشديدة في شأن "المستضعفين" هما في حق المتخلفين عن ولايتهم المتخاذلين عن نصرتهم أحكم وأظهر، جاء ذلك صريحا قطعيا محكما في قوله تعالى:{وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا، ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّ كَیۡدَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ كَانَ ضَعِیفًا﴾ [النساء ٧٥-٧٦]... هي آيات سابقة للآية العتابية للمستضعفين على النحو الذي بينا المقصود منها، فأي الطائفتين أحق بالمؤاخذة والمساءلة الشرعية والعقاب؟
عندي كل طائفة مؤاخذة ومساءلة بحسب ظرفها ووضعها وعلتها، ولا يعفى ولا يغتفر إِلَّا لِلذين {...لَا یَسۡتَطِیعُونَ حِیلَةࣰ وَلَا یَهۡتَدُونَ سَبِیلࣰا، فَأُو۟لَائكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورࣰا}[النساء ٩٨]، وبعد بيان ذلك كله أقول:
لا يقطع دابرَ "فقه التحريف" إلا بيانُ تضليلاته بمحكم "علم الكتاب" وصريح دلالات آياته في سياقاته الخاصة والعامة، ومن مساقات أحكامه في بلاغاته، كذلك من هدي النبوة وسيرتها العملية في البلاغ والبيان... {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين}[النحل ٩]...
ذ. ميمون نكاز
17/02/2025