
الاحرار... عصام الزبن
February 24, 2025 at 08:04 PM
*كلمات*
.. في قُبلة يهودي مغربي أسقطت كل أوهام " إسرائيل "
---------------------------
*إليا ليس وحده، قادة الصف الأول يقولون بزوال الكيان*
أحمد ويحمان ×
لم يكن مشهد الإفراج عن الجندي الإسرائيلي إيليا كوهين مجرد لحظة إنسانية عابرة، بل كان درسًا بليغًا يحمل في طياته انهيار السردية الصهيونية من الداخل. فحين ظهر الجندي في فيديو نشرته كتائب القسام، متحدثًا إلى المقاومين في منطقة زراعية بقطاع غزة، قال جملة تختزل قرنًا من الخديعة والتضليل :
*"جدي في الواقع جاء إلى أرض فلسطين لسبب، أنا حقيقة لا أعرفه."*
هذه الجملة، التي قد تبدو بسيطة وعفوية، هي في الحقيقة اعتراف مدوٍّ يكشف هشاشة الأساس الذي قامت عليه "إسرائيل". فالذين جُلبوا إلى فلسطين، مثل جد إيليا كوهين، لم يأتوا بدافع شخصي أو انتماء طبيعي للأرض، بل جرى استقدامهم ضمن مشروع سياسي-استعماري تحالفت فيه الصهيونية مع قوى دولية لا يهمها سوى مصالحها الاقتصادية والجيواستراتيجية.
*القبلة التي أسقطت وهم "شعب متجانس"*
في لحظة الإفراج، رأينا كيف قبّل الجندي رأس اثنين من مقاومي كتائب القسام، في مشهد يحمل دلالات تتجاوز العرفان الشخصي. إنها لحظة تفضح زيف السردية الصهيونية التي صوّرت الفلسطينيين كـ"متوحشين" و"إرهابيين"، فإذا بأسير إسرائيلي يعاملهم بودّ واحترام، ويعبّر عن حقيقة وجودية مفادها أن معظم من يعيشون في فلسطين المحتلة ليسوا سوى مهاجرين جُلبوا إلى أرض لا يعرفون لماذا جُلبوا إليها.
*إفلاس المشروع الصهيوني: شهادات من الداخل*
ليست شهادة إيليا كوهين وحدها ما يعكس هذا الإفلاس، بل تتكرر الاعترافات من داخل "إسرائيل" نفسها، وعلى لسان شخصيات بارزة، سواء في السياسة أو الاستخبارات أو حتى في الحياة اليومية.
*الشيف أفيف: الهروب من "الاختناق"*
من بين الشهادات التي أحدثت ضجة كبرى في السنوات الأخيرة، تصريح كبير الطهاة الإسرائيليين، الشيف الشاب أفيف، الذي قال بعد مغادرته "إسرائيل" واستقراره في المغرب :
*"لقد كنت أشعر طيلة حياتي بالاختناق في إسرائيل، ولم أتنفس ملء رئتي إلا بعد عودتي إلى الدار البيضاء!"*
لم يكن هذا التصريح عابرًا، بل أتبعه الشيف أفيف بتأسيس مشروعه في المطاعم بالدار البيضاء، واختار له اسمًا يحمل مفارقة رمزية عميقة: "لبن وعسل". المفارقة هنا أن الصهيونية روّجت دائمًا لأرض فلسطين باعتبارها "أرض اللبن والعسل"، لكنها تحولت إلى مكان يختنق فيه المستوطنون، في حين أن المدن التي هُجّروا منها، مثل الدار البيضاء، تظل بالنسبة لهم المكان الوحيد الذي يشعرون فيه بالحياة الطبيعية.
*شهادات قادة الاستخبارات والسياسة: كيان يواجه نهايته الحتمية*
الأمر لا يتوقف عند المستوطنين العاديين، بل يمتد إلى كبار صانعي القرار في "إسرائيل"، الذين باتوا يعترفون بأن المشروع الصهيوني في أزمة وجودية لا مخرج منها.
الجنرال *إيهود باراك* ، رئيس الوزراء الأسبق، قال بوضوح :
"إسرائيل لن تصل إلى العقد التاسع من عمرها!"
*مائير داغان* ، رئيس الموساد السابق، وصف المشروع الصهيوني بأنه دخل مرحلة "المأزق التاريخي"، محذرًا من أن استمرار الاحتلال بهذه الطريقة سيؤدي إلى انهيار داخلي حتمي.
الجنرال *إسحاق بريك* ، أحد القيادات العسكرية المخضرمة، شبّه "إسرائيل" بباخرة التايتانيك التي تتقاذفها الأمواج العاتية، ولا مفر لها من الغرق، مؤكدًا أن القيادة الإسرائيلية تعيش حالة إنكار للواقع الذي يهدد وجود الكيان.
*يعقوب شاريت* رجل المخابرات الشهير ، وابن موشي شاريت، أول وزير خارجية إسرائيلي ومن قرأ إعلان قيام "إسرائيل"، كتب في مذكراته أنه مطمئن لأن أحفاده يعيشون الآن في نيويورك، قائلاً بصراحة:
"آخر وصية لي لليهود في إسرائيل: عودوا إلى البلدان التي قدمتم منها قبل فوات الأوان."
*المسألة اليهودية وإفلاس "الحل الصهيوني"*
بينما كنت أتأمل هذه الاعترافات المتتالية، تذكرت كتابًا عميقًا صدر حديثًا للوزير السابق الدكتور الحبيب الشوباني، بعنوان:
"المسألة اليهودية في عصر الطوفان: في بناء سردية المأزق الوجودي للحل الصهيوني للمسألة اليهودية."
الكتاب يقدم تحليلاً استثنائيًا لمعضلة المشروع الصهيوني، موضحًا أنه لم يكن حلًا حقيقيًا للمسألة اليهودية، بل مجرد إعادة إنتاج لها في صورة أكثر تعقيدًا وخطورة. فإذا كان اليهود في أوروبا قد عانوا من الاضطهاد والعنصرية، فإن الصهيونية لم تقدم لهم وطنًا، بل زجّت بهم في أتون صراع دموي لا نهاية له.
وهذا بالضبط ما عبّر عنه إيليا كوهين، دون أن يدري، حين قال : "على الجميع هنا أن يعودوا من حيث أتوا."
*عقدة العقد الثامن: متلازمة الانهيار .*
إن ما يفاقم هذه الأزمة أن "إسرائيل" تعيش ما يُعرف بـعقدة العقد الثامن، وهي عقدة مستمدة من التاريخ اليهودي، حيث لم تصمد أي دولة يهودية سابقة لأكثر من ثمانين عامًا، بدءًا من مملكة داوود وسليمان، مرورًا بممالك يهوذا وإسرائيل القديمة، وصولًا إلى الحاضرة الصهيونية التي تقترب من عامها الثمانين وسط تصدعات داخلية خطيرة وانقسامات تهدد تماسكها.
*آخر الكلام*
هي العودة إلى الحقيقة
ما قاله الجندي الإسرائيلي ليس مجرد زلة لسان، بل هو شهادة نابعة من الواقع: "إسرائيل" ليست وطنًا طبيعيًا لليهود، بل كيان استعماري قائم على التهجير القسري والتزييف التاريخي.
لقد أُجبر الفلسطينيون على مغادرة وطنهم لإحلال مهاجرين لا يعرفون لماذا جُلبوا إلى هناك، والآن، وبعد عقود من العنف والمذابح، بدأ بعض هؤلاء المستوطنين أنفسهم يدركون أن الحل الصهيوني لم يكن إلا وهماً كبيرًا.
ربما لم يكن إيليا كوهين يدرك أن جملته تلك ستتحول إلى شهادة تاريخية، لكنه نطق بالحقيقة التي ظل الاحتلال يحاول طمسها: المسألة اليهودية لم تُحلّ، وإسرائيل ليست الحل، بل أصبحت هي كل المشكلة .
--------------------------
× رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع