
أهل العراق
June 8, 2025 at 08:42 AM
رؤية تجمع أهل العراق لإصلاح وتفعيل جامعة الدول العربية
مقدمة:
إن الأمة العربية اليوم تمر بمرحلة دقيقة تتطلب إعادة تقييم شامل لدور مؤسساتها الجامعة. لطالما كانت جامعة الدول العربية منارة للأمة ورمزاً لوحدتها وطموحاتها. لكن التحديات الراهنة، التي تُلقي بظلالها على واقعنا العربي وتُعيق فاعلية العمل العربي المشترك، تستدعي وقفة جادة لإعادة تفعيل دور الجامعة وضمان قدرتها على تمثيل تطلعات شعوبنا.
نحن في تجمع أهل العراق، كحركة سياسية معارضة نابعة من صميم الشعب العراقي وتمثل تطلعاته، نؤمن بأن جامعة الدول العربية يجب أن تستعيد مكانتها كصوت موحد، فاعل، ومستقل للأمة. بناءً على دراسة مستفيضة للواقع العربي الراهن والديناميكيات الإقليمية والدولية المعقدة، نقدم رؤيتنا هذه، والتي نأمل أن تكون خارطة طريق لإصلاح شامل وجذري يُعيد للجامعة اعتبارها ويعزز من دورها.
التحديات الراهنة التي تواجه جامعة الدول العربية:
أ. تباين المواقف وتأثير القوى الإقليمية والدولية: تعاني الجامعة من تباين في مصالح الدول الأعضاء وتأثرها بنفوذ قوى دولية متعددة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، وإيران. هذا يساهم في تشتيت القرار العربي المشترك.
ب. شرط الإجماع وشلل القرار: يعد شرط الإجماع على اتخاذ القرارات من أكبر المعيقات التي تشل فاعلية الجامعة، وتفقدها القدرة على الاستجابة السريعة للأزمات أو اتخاذ مواقف موحدة.
ج. غياب إلزامية القرارات: تفتقر قرارات القمم والاجتماعات العربية إلى آليات حقيقية لضمان تطبيقها، ما يقلل من تأثيرها ويفقد الجامعة مصداقيتها.
د. الحاجة إلى تحديث الهيكل الإداري: يعاني الجهاز التنفيذي للجامعة من قيود هيكلية تعيق دوره في القيادة وصنع القرار.
ه. الانقسامات الداخلية وغياب دور الجامعة: أدت الانقسامات الطائفية، الإثنية، والعرقية، وتقديم الولاءات المذهبية على المصلحة الوطنية، إلى ضعف داخلي في الدول العربية، وتغيب دور الجامعة في تقريب الرؤى بين المعارضة والحكومات.
و. غياب التوجه المدني في السياسة: لم يتم ترسيخ مفهوم الفصل بين الدين والسياسة والدولة بشكل واضح في آليات عمل الجامعة، مما يُعيق الحيادية الشاملة في اتخاذ القرارات.
رؤية تجمع أهل العراق لإصلاح وتفعيل الجامعة (مقترح هيكلي شامل):
للتغلب على هذه التحديات، نقدم رؤيتنا التي تهدف إلى بناء جامعة عربية قوية، حيادية، وفاعلة، وذلك عبر الخطوات التالية:
1. قيادة حيادية وفورية للأمانة العامة:
أ. الهدف الفوري: ندعو إلى أن يتم، في أي دعوة لتغيير الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، تولي الجزائر منصب الأمين العام الجديد.
ب. المبررات: الجزائر، بتاريخها الثوري وموقفها المبدئي الراسخ، واستقلاليتها السياسية، واستقرارها النسبي، هي الأجدر والأكثر حيادية لتولي هذا المنصب الحساس. إن قيادتها للأمانة العامة ستضمن الحفاظ على المبادئ الأساسية للجامعة، وستوفر صوتًا عربيًا مستقلًا وغير منحاز لأي أجندة إقليمية أو دولية. هذا التعيين الفوري للجزائر يعد خطوة حاسمة لضمان الحيادية في عملية الإصلاح القادمة.
2. إصلاحات هيكلية وجوهرية للميثاق (تفعل بعد التعيين مباشرة):
بعد تولي الأمين العام الجديد (من الجزائر) مهامه، تصبح الأمانة العامة الجديدة هي الجهة المسؤولة عن قيادة عملية تعديل ميثاق الجامعة وتفعيل الإصلاحات المقترحة، وذلك لضمان حيادية الصياغة والتنفيذ. هذه المقترحات تتضمن:
أ. إيجاد أعضاء ثابتين للأمانة العامة: يضمن هذا وجود تمثيل دائم ومؤثر لدول أو تكتلات ضمن الجهاز التنفيذي للجامعة، مما يعزز من قوتها وفاعليتها.
ب. منح الأعضاء الثابتين حق التصويت على القرارات: تحول هذه الصلاحية الأمانة العامة إلى هيئة مشاركة في صنع القرار، وليس مجرد جهاز تنفيذي، ما يعزز من سلطتها وقدرتها على التأثير.
ج. الصلاحية الكاملة للأمين العام والأعضاء الثابتين في اختيار الكادر الإداري: لضمان الكفاءة والولاء التنظيمي وتوحيد الرؤية داخل الجهاز التنفيذي للجامعة، بعيدًا عن الولاءات المتعددة أو المحاصصة.
3. آليات اتخاذ القرار والإلزام:
أ. تغيير شرط الإجماع: يجب تعديل ميثاق الجامعة ليلغي شرط الإجماع على اتخاذ القرارات، ويستبدله بآلية تعتمد على الأغلبية أو الثلثين. هذا ينهي حالة الشلل التي تعاني منها الجامعة ويمكنها من اتخاذ قرارات حاسمة وفاعلة.
ب. تعزيز إلزامية القرارات: يجب استحداث آليات لضمان إلزامية القرارات الصادرة عن الجامعة (خاصة تلك التي تنبثق عن الأمانة العامة بصلاحياتها الجديدة)، سواء عبر إلزام أخلاقي معزز بآليات متابعة وتقييم، أو عبر منح الأمانة العامة صلاحيات تنفيذية محددة.
4. الشرعية الدورية والتجديد المستمر:
أ. يجب تحديد فترة ولاية موحدة للأمانة العامة (الأمين العام والأعضاء الثابتين) بخمس سنوات.
ب. تجرى انتخابات شاملة ودورية كل خمس سنوات لجميع مناصب الأمانة العامة من ضمن الدول الأعضاء، لضمان الشرعية المتكاملة، التجديد المستمر، والحيوية في القيادة.
5. مبادئ أساسية لتعزيز الوحدة والاستقرار:
أ. نبذ الطائفية، الإثنية، والعرقية: يجب أن ينص الميثاق بشكل صريح على نبذ كل أشكال التمييز الطائفي، الإثني، أو العرقي، واعتماد مبدأ المواطنة المتساوية أساساً للتعاملات بين الدول وفي داخلها.
ب. وحدة الدين الإسلامي والرسالة المحمدية (وليس المذاهب): يجب أن يلتزم ميثاق الجامعة بالعودة إلى جوهر الدين الإسلامي والرسالة المحمدية الحقيقية، والتي تدعو إلى التوحيد والأخوة والعدل. وعليه، يجب نبذ المذاهب كقاعدة للقرارات أو التعاملات السياسية بين الدول، والتركيز على القيم الجامعة التي تخدم مصلحة الأمة بأسرها.
ج. التوجه المدني في السياسة والدولة: يجب أن تعزز الجامعة مبدأ الفصل بين الدين والسياسة والدولة، بحيث يعمل كل منهما من مكانه الخاص. هذا يضمن الحيادية الكاملة للأمانة العامة في اتخاذ القرارات، ويحمي المجتمعات من الاستقطاب المذهبي، ويدعم بناء دول عصرية قائمة على المواطنة المتساوية والعدالة.
د. دور الجامعة في تقريب رؤى القوى الداخلية: على الجامعة، من خلال أمانتها العامة، إيجاد سبل لتقريب الرؤى بين القوى المعارضة والحكومات أو الأحزاب المتحكمة داخل الدول الأعضاء، وذلك من خلال الحوار والمصالحة لتعزيز الاستقرار الداخلي للشعوب.
ه. تعزيز القوانين التي تخدم الشعوب: على الجامعة، من خلال أمانتها العامة والأمناء، أن تعمل على إيجاد أو تعزيز قوانين الدول العربية التي تصب في مصلحة الشعوب بعد نقاش وتوافق من قبل الدول الأعضاء، بما يدعم التنمية والعدالة الاجتماعية.
الخاتمة:
إننا في تجمع أهل العراق نؤمن بأن هذه الرؤية المتكاملة، لو تم تبنيها وتطبيقها، ستمكن جامعة الدول العربية من استعادة أهميتها الدولية وشرعيتها المتكاملة. ستصبح الجامعة قادرة على تمثيل صوت عربي موحد وفاعل، وتجاوز حالة الضعف والجمود، لتعيد لها دورها التاريخي كقائد حقيقي للعمل العربي المشترك، وتمثل بحق طموحات وآمال شعوبنا في وطن عربي قوي، موحد، ومستقل.
ندعو جميع الدول العربية، الحكومات والشعوب، إلى تبني هذه الرؤية والعمل المشترك لتحقيقها، فمستقبل أمتنا يستحق منا كل جهد وتضحية.
عدنان صگر الخليفه
الإشراف العام لتجمع أهل العراق
بغداد، العراق
8 يونيو 2025