
Who are the Patient Ones? من هم الصابرون
May 23, 2025 at 10:20 AM
التَّارِيخُ: 2025.23.05
عَلَامَةُ الإِخْلَاصِ وَالتَّسْلِيمِ: الأُضْحِيَةُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
نَحْنُ نَقْتَرِبُ مِنْ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ. لَمْ يَتَبَقَّ سِوَى أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ لِأَدَاءِ عِبَادَةِ الأُضْحِيَةِ، الَّتِي تُعَدُّ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ، وَدَلِيلًا عَلَى وَحْدَتِنَا وَتَضَامُنِنَا وَأُخُوَّتِنَا. وَقَدْ بَدَأَ النَّاسُ بِشِرَاءِ الأَضَاحِي. نَسْأَلُ اللهَ العَلِيَّ القَدِيرَ أَنْ يُبَلِّغَنَا عِيدَ الأَضْحَى المُبَارَكَ وَنَحْنُ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ، وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا صَالِحَ الأَعْمَالِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
الأُضْحِيَّةُ هِيَ أَنْ يَقُومَ المُسْلِمُ العَاقِلُ، البَالِغُ، المُيَسَّرُ مَالِيًّا بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ، بِذَبْحِ حَيَوَانٍ تَتَوَافَرُ فِيهِ الشُّرُوطُ الشَّرْعِيَّةُ، فِي أَيَّامِ العِيدِ، تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ تَعَالَى. إِنَّ الأُضْحِيَةَ عِبَادَةٌ تَضْرِبُ بِجُذُورِهَا فِي عُمْقِ التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ، وَهِيَ تَعْبِيرٌ عَنْ شُكْرِنَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا. وَهِيَ إِعْلَانٌ بِأَنَّ مَحَبَّتَنَا للهِ تَفُوقُ كُلَّ المَحَبَّاتِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رِضَا اللهِ عِنْدَنَا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ. وَبِاخْتِصَارٍ، فَإِنَّ الأُضْحِيَةَ رَمْزٌ لاِسْتِعْدَادِنَا لِبَذْلِ أَمْوَالِنَا، وَأَنْفُسِنَا، وَكُلِّ مَا نَمْلِكُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَرِضًا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ الأُضْحِيَةَ تَحْمِلُ مَعَانٍ وَحِكَمًا أَعْمَقَ بِكَثِيرٍ مِنْ مُجَرَّدِ ذَبْحِ حَيَوَانٍ وَالِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ.
الأُضْحِيَةُ تَقْوَى؛ فَهِيَ انْقِيَادٌ صَادِقٌ لِأَوَامِرِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، وَابْتِعَادٌ عَنْ بُخْلِ النَّفْسِ، وَزِينَةِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ، وَعَنِ الذُّنُوبِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رِضْوَانِ اللهِ. وَقَدْ ذَكَّرَنَا اللهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الحَقِيقَةِ بِقَوْلِهِ:"لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ".
الأُضْحِيَةُ وِحْدَةٌ؛ فَهِيَ فُرْصَةٌ لِاجْتِمَاعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ تَمْيِيزٍ فِي اللَّوْنِ أَوِ اللُّغَةِ أَوِ الجُغْرَافِيَا، وَمُشَارَكَةِ الأَفْرَاحِ وَالأَحْزَانِ، وَبَذْلِ الجُهْدِ فِي نَشْرِ الرَّحْمَةِ وَالمَحَبَّةِ مِنْ بُيُوتِنَا إِلَى شَوَارِعِنَا، ثُمَّ إِلَى مُدُنِنَا وَالعَالَمِ أَجْمَع.
الأُضْحِيَةُ دُعَاءٌ؛ فَهِيَ أَنْ نَكُونَ بَسْمَةً عَلَى وُجُوهِ اليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُحْتَاجِينَ، وَأَنْ نَنْقُلَ السَّعَادَةَ وَالمَحَبَّةَ إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَنَفْرَحَ بِإِسْعَادِهِمْ، وَنَجِدَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي العَطَاءِ وَالمُشَارَكَةِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ العِبَادَاتِ تُؤدَّى عَلَى الوَجهِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَطَبَّقَهُ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لِذَلِكَ، فَإِنَّ التَّصَدُّقَ بِثَمَنِ الأُضْحِيَةِ لِلفُقَرَاءِ أَوْ لِلْجَمْعِيَّاتِ الخَيْرِيَّةِ لَا يُعَدُّ أَدَاءً لِنُسُكِ الأُضْحِيَةِ.
يُمْكِنُ أَنْ يُضَحِّيَ الشَّخْصُ الوَاحِدُ بِشَاةٍ (مِنْ صِغَارِ الأَنْعَامِ)،أَمَّا البَقَرَةُ أَوِ الجَمَلُ (مِنْ كِبَارِ الأَنْعَامِ)، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهَا سَبْعَةُ أَشْخَاصٍ عَلَى الأَكْثَرِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُمْ جَمِيعًا أَدَاءَ الأُضْحِيَةِ. وَيَجِبُ أَنْ تُقَسَّمَ كُلُّ أُضْحِيَةٍ مِنَ الأَنْعَامِ الكَبِيرَةِ إِلَى حِصَصٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ أَكْثَرُ مِنْ شَخْصٍ فِي حِصَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَا يَصِحُّ مَا تَقُومُ بِهِ بَعْضُ المُنَظَّمَاتِ مِنْ ذَبْحِ الأَضَاحِي وَخَلْطِ لُحُومِهَا، ثُمَّ تَوْزِيعِهَا بِالكِيلُوغْرَامَاتِ عَلَى أَصْحَابِ الحِصَصِ، فَهَذَا لَا يُعَدُّ أُضْحِيَةً شَرْعِيَّةً.
وَيَجِبُ أَنْ تَتِمَّ عَمَلِيَّةُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ بَعْدَ صَلَاةِ العِيدِ، لِأَنَّ مَا يُذْبَحُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا يُعَدُّ أُضْحِيَةً.
كَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي دِينِنَا مَا يُعْرَفُ بِجَمْعِ التَّبَرُّعَاتِ مِنْ عِدَّةِ أَشْخَاصٍ لِحِصَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الأُضْحِيَةِ تُنْسَبُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذِهِ بِدْعَةٌ، وَاسْتِغْلَالٌ لِلدِّينِ وَشَعَائِرِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ الْأَصْلَ فِي عِبَادَةِ الْأُضْحِيَةِ أَنْ يَذْبَحَ الْمُسْلِمُ أُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَتَوَاجَدُ فِيهِ، أَوْ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَذْبَحُهَا عَنْهُ. فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ فُرِضَتِ الْأُضْحِيَةُ، يَذْبَحُ أُضْحِيَتَهُ كُلَّ عَامٍ، وَكَانَ يُشَجِّعُ أُمَّتَهُ عَلَى الْأُضْحِيَةِ بِقَوْلِهِ: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَمْ..." وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِ أُضْحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ فِي مَكَانِهِ، أَوْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بِأُضْحِيَةٍ ثَانِيَةٍ، يُمْكِنُهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَذْبَحُهَا عَنْهُ دَاخِلَ الْبِلَادِ أَوْ خَارِجَهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
نَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْهُ كَمَا كَانَ فِي الأَمْسِ، فَإِنَّ مُؤَسَّسَاتِنَا الخَيْرِيَّةَ اليَوْمَ تُوَاصِلُ أَيْضًا إِيصَالَ الأَضَاحِي الَّتِي يَأْتَمِنُهَا عَلَيْهَا شَعْبُنَا الكَرِيمُ إِلَى المُحْتَاجِينَ. وَمِنْ بَيْنِ هٰذِهِ المُؤَسَّسَاتِ، تَتَمَيَّزُ مُؤَسَّسَةُ الدِّيَانَةِ التُّرْكِيَّةُ بِدَوْرِهَا الكَبِيرِ فِي هٰذَا المَيْدَانِ، فَقَدْ قَامَتِ العَامَ المَاضِي - بِفَضْلِ اللَّهِ - بِإِيصَالِ لُحُومِ الأَضَاحِي إِلَى مَلَايِينِ النَّاسِ دَاخِلَ تُرْكِيَا وَخَارِجَهَا. وَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلٰى ذٰلِكَ. وَفِي هٰذَا العَامِ أَيْضًا، سَنُواصِلُ - بِإِذْنِ اللَّهِ - إِرْشَادَ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ يُرِيدُونَ تَوْكِيلَ مُؤَسَّسَتِنَا بِأَضَاحِيهِمْ، وَذٰلِكَ بِوَعْيٍ تَعَبُّدِيٍّ، وَبِمَبْدَإِ الشَّفَافِيَّةِ وَالمَسَاءَلَةِ. وَسَنَسْعَى جَاهِدِينَ لِنَيْلِ دُعَاءِ المَظْلُومِينَ وَالمُحْتَاجِينَ، وَفِي مُقَدِّمَتِهِمْ أَهْلُ غَزَّةَ الصَّابِرُونَ، وَكُلُّ مَنْ نَسْتَطِيعُ الوُصُولَ إِلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَبِهٰذِهِ المُنَاسَبَةِ، أَدْعُوكُمْ أَنْ تُسَارِعُوا إِلَى الخَيْرِ، وَتُشَارِكُوا فِي هٰذِهِ الحَمْلَةِ الخَيْرِيَّةِ، عَنْ طَرِيقِ أَئِمَّتِنَا وَمَكَاتِبِ الإِفْتَاءِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ العِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ. وَأَخْتِمُ خُطْبَتِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الحَجِّ، الآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ:"وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ۗ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۚ وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ".