
قناة رضوان اعبيد
May 23, 2025 at 08:31 PM
المقارنة بالغير: (سلاحٌ ذو حدّين)
إنّا في زمن أصبحت فيه حياة الآخرين مرئية على مدار الساعة، تسللت ظاهرة المقارنة بالغير إلى أعماق النفوس، فزعزعت الثقة، وأضعفت الرضا. لكن، هل المقارنة دائمًا أمر سلبي؟ أم يمكن توجيهها لصالح الإنسان؟ وكيف نتحرر من تأثيرها المدمر؟
أولًا: مفهوم المقارنة بالغير:
المقارنة بالغير هي تقييم الذات استنادًا إلى الآخرين، سواء في الجمال أو المال أو المكانة أو الإنجاز. قد تُشعل الحماس أو تُغذي الحسد، بحسب نية الشخص ومزاجه النفسي....
ثانيًا: أسباب المقارنة بالغير:
1. البيئة الإعلامية المفتوحة...
2. ثقافة المجتمعات التي تمجد الظاهر وتقلل من قيمة الداخل...
3. الضعف في معرفة النفس....
4. السعي للتميز، ولكن بعيون الآخرين لا بالوعي الذاتي....
ثالثًا: أنواع المقارنة بالغير:
١. صاعدة: محفزة أو محبطة...
٢. هابطة: قد تمنح شعورًا زائفًا بالرضا...
٣. داخلية: وهي أفضلها، حين تقارن ذاتك اليوم بذاتك بالأمس....
رابعًا: الآثار السلبية:
قال تعالى في ذم التكبر والحسد الذي كثيرًا ما يكون نتيجة مقارنة:
> "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"..
[النساء: 54]
فالحسد نتيجة مقارنة غير متزنة، تؤدي إلى الكراهية والحقد....
خامسًا: الآثار الإيجابية:
قال تعالى:
> "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"..
[المطففين: 26]
وهذا يدل على أن المقارنة المحمودة، التي تدفع للسعي للخير، مقبولة ومشروعة...
سادسًا: توجيه نبوي عظيم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
> "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم."..
[رواه مسلم]
بهذا التوجيه النبوي يعالج النبي جذور المقارنة السلبية، ويوجه الإنسان نحو الامتنان والرضا....
سابعًا: في الشعر العربي:
قال الشاعر إيليا أبو ماضي:
> أتحزن إنْ نقصتْ نِعَمٌ ... وأنتَ مغمورٌ بالنِّعَمِ ..
فكمْ في الأرضِ من نِعَمٍ ... لم تُشْكَرِ يومًا للكرمِ ..
وقال الإمام الشافعي في الرضا والتسامي عن المقارنة:
> إذا كنت ذا قلبٍ قنوعٍ ... فأنت ومالك الدنيا سواءُ ..
ومن نزلتْ بساحتهِ المنايا ... فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ ..
ثامنًا: كيف تتعامل بوعي مع المقارنة؟
1. عرّف نفسك بنفسك، لا بغيرك...
2. تذكّر أن لكل إنسان ظروفًا لا تظهر في الظاهر...
3. مارس الشكر؛ فالشكر يطرد المقارنة...
4. اجعل المقارنة محفزة لا محبطة...
5. ركّز على رحلة ذاتك، لا على مسارات الآخرين...
المقارنة بالغير ليست شرًا مطلقًا، لكنها تحتاج إلى وعي. من كان ينظر بعين الرضا إلى نعم الله عليه، لن يرهقه بريق الآخرين، بل سيأخذ منه ضوءًا ليضيء طريقه الخاص. قارن لتتطور، لا لتُحبط. ولا تنسَ أن معيارك هو نفسك، لا لغيرك.....
أ. رضوان اعبيد/محاضر في الخط العربي...
❤️
1