
مداد - midad
May 30, 2025 at 10:59 AM
#مداد
#مقال
(حَتَّى لَا تَكُونُ فِتْنَةٌ)
اَلشَّيْخُ| جَمِيلٌ اَلرَّحْمَنُ الْأَفْغَانِي رحمه الله
هُنَاكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَجِبُ أَلَّا تَغِيبَ عَنْ أَذْهَانِنَا فِي غَمْرَةِ حَمَاسَتِنَا لِلْجِهَادِ، هِيَ أَنَّ اَلْجِهَادَ بِمَعْنَى اَلْحَرْبِ لَيْسَ مَطْلُوبًا لِذَاتِهِ، إِذْ فِيهِ ضَرَرٌ يُؤَدِّي إِلَى هَلَاكِ اَلْحَرْثِ وَالنَّسْلِ وَإِرَاقَةِ اَلْدِّمَاءِ.
فَجَعَلَ اَلْمَقْصِدُ هُوَ اَلتَّوْحِيدُ وَجَعْلُ اَلْقِتَالِ سَبِيلًا إِلَى ذَلِكَ لَا مَقْصُودًا لِذَاتِهِ إِذْ قَيَّدَهُ بِغَايَةٍ دَلَّتْ عَلَيْهَا كَلِمَةٌ "حَتَّى".
فَالْجِهَادُ وَسِيلَةٌ، أَيُّ مَطْلُوبٍ لِغَيْرِهِ، أَمَّا اَلْهَدَفُ أَيُّ الْمَطْلُوبَ لِذَاتِهِ فَهُوَ اَلتَّوْحِيدُ، وَإِخْلَاصُ اَلْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هَذِهِ هِيَ اَلْغَايَةُ اَلَّتِي خَلَقَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ لِأَجْلِهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". وَكَذَلِكَ دَعْوَةُ اَلتَّوْحِيدِ مُقَدِّمَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اَلْجِهَادِ، فَقَدْ بَعَثَ اَللَّهُ تَعَالَى اَلْأَنْبِيَاءَ جَمِيعًا مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالتَّوْحِيدِ وَدَفْعِ اَلشِّرْكِ.
وَمَعَ ذَلِكَ شَرَعَهُ اَللَّهُ، وَرَغِبَ فِيهِ بِالثَّوَابِ اَلْعَظِيمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ ضَرَرٌ أَعْظَمُ وَهُوَ اَلشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالْفِتْنَةُ فِي اَلدِّينِ، فَالْجِهَادُ لَيْسَ هَدَفًا، بَلْ وَسِيلَةً إِلَى هَدَفٍ أَعْظَمَ هُوَ إِخْلَاصُ اَلتَّوْحِيدِ وَإِزَالَةُ اَلْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّ حِفْظَ اَلْدِّينِ مُقَدَّمٌ عَلَى حِفْظِ اَلنَّفْسِ فِي اَلضَّرُورَاتِ اَلْخَمْسِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ اَلْفِقْهِ، قَالَ تَعَالَى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونُ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ". اَلْفِتْنَةُ فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ هِيَ اَلشِّرْكُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ اَلْمُفَسِّرِينَ: حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ يَعْنِي لَا يَكُونُ شَرَكٌ، وَهُوَ قَوْلُ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اَللَّهِ".
إنَّ اَلْجِهَادَ دُونَ تَصْحِيحِ اَلدِّينِ لَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرَةٍ، بَلْ هُوَ اِسْتِنْزَافٌ دَائِمٌ لِدِمَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ. قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ اَلْمُنْكَرِ أَوْ لَيُشَكِّلَنَّ اللَّهُ قُلُوبَكُم".

👍
3