قصص  ـــ ومواعظ اسلاميه
قصص ـــ ومواعظ اسلاميه
May 17, 2025 at 09:25 PM
دخل الوفد المسلم على يزدجرد ، كسرى الفرس ، ذاك الذي اعتقد نفسه إله في الأرض، جالسًا بتكبر في إيوانه العظيم، حيث البُسُط العجمية المطرزة، والوسائد الموشاة بالذهب، والجواهر المتلألئة التي تعكس أضواء القناديل، فتزيد المكان هيبة ورهبة. كانت حاشيته مصطفّين في نصف دائرة، لا يجرؤ أحد على الاقتراب من العرش إلا بمقدار ما تأذن به الأقدار. وحده التاج، ذلك التاج الثقيل، لم يكن فوق رأسه، بل كان معلقًا بالسلاسل، يتدلى في موضعه الأبدي، كرمزٍ لحكم لا يُمسّ، وسلطان لا يُنازع. كان المشهد معدًّا بدقة، والهدف واضحًا: هؤلاء العرب القادمين من الصحراء سيدركون، لحظة أن تطأ أقدامهم هذا الإيوان، أنهم أمام العظمة المتجسدة، أمام قرون من الحضارة و مجد لا يُقهر! لكن الصحابة دخلوا، ومضوا بين صفوف الحرس غير عابئين، كأنما لم يروا ما أُعِدّ لهم، ولم يشعروا بالرهبة التي كان يجب أن تسري في عروقهم. ساروا بثبات، حتى بلغوا مجلس الملك، فوقفت أنفاس الجميع في انتظار ما سيقوله أولئك القادمون من الصحراء القاحلة الذين لم يجلسوا يومًا على عرش، ولم يطأوا قصور الملوك. تقدّم المغيرة بن زرارة ، بلا وجل، ولا انحناءة، ولا ارتعاش في صوته، وقالها في كلمات لم تعهدها قصور الأكاسرة، كلمات حادة كالسيف، واضحة كضوء الفجر مخاطبا شاه بلاد فارس : "فاختر: إن شئت الجزية عن يدٍ وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تُسلِم فتنجي نفسك." لم يكن في صوته تردد، لم يكن في كلماته تلعثم. بل كانت نبرة الرجل الذي يعلم أن العزة ليست في الحرير المنسوج، ولا في التاج المعلق، ولا في الجند الذين لا يتحركون إلا بأمر السيد المتوَّج. العزة هنا، في هذه الكلمات القليلة التي تُخيّر ملك الملوك بين الإسلام أو الجزية أو السيف. ارتبك المترجم، بحث عن معنى كلمة "صاغر" ، ثم عجز عن ترجمتها، فكررها كما هي: "صاغر" . سأل يزدجرد مستنكرًا: ما معنى صاغر؟ فلم يكن المغيرة ليُفوّت الفرصة، فألقى بالجواب الذي هزّ عرش الأكاسرة قبل أن يسقط بحد السيف: "أن تعطي الجزية فنرفضها، فتعطيها فنرفضها، فترجونا أن نقبلها، فنقبلها منك!" وقف الإيوان ساكنًا، لم تهتز فيه إلا أعمدة الكبرياء الفارسي، التي لم تعهد أن يُحدَّث ملوكها بهذه اللغة، ولم تعتد أن يُخاطب حكّامها كأنهم من عامة الناس، وكأنهم لا يملكون إلا أن يخضعوا لمشيئة هذه الأمة الجديدة التي جاءت برسالة لا تضع للعرش وزنًا إن لم يكن قائمه على الحق. أما اليوم فيجلس ملوك العرب في البيت الأبيض، أمام رئيس ليس إلا صورة أخرى لقيصر كلب الروم ، يعلو وجههم الوجل، يخفضون الرؤوس، يتملقون، ويبتسمون ابتسامة العاجز أمام جبروت السيد. يوقّعون العقود صاغرين، يمدّون أيديهم بالمال والأرض والثروات صاغرين، يطلبون الحماية وهم في ذلٍّ ما بعده ذلّ. إن المسلم لا يعرف الذلّ إلا حين ينسى من يكون، إلا حين يغفل عن قوله تعالى: **﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾** ⦗آل عمران: ١٣٩⦘. كان أولئك الرجال في مجلس يزدجرد لا يرون أنفسهم إلا أسيادًا، لأنهم جاءوا بدين يرفعهم، وكان يزدجرد في عرشه، فوق وسائده، تحت تاجه المعلّق، لكنه كان في الحقيقة صاغرًا. واليوم، الصورة مقلوبة أصحاب العروش هم الصاغرون، لأنهم جلسوا على المقاعد التي لا تليق بالأحرار، وخفضوا رؤوسهم أمام كلب الروم الجديد ، الذي لم يكن ليجرؤ على رفع عينه في وجه عمر، أو خالد، أو المغيرة. إن الاستعلاء بالإيمان ليس مجرد كلمة، بل هو موقف، هو شعور، هو يقين، هو تلك الخطوات الواثقة في إيوان كسرى، وهو تلك النظرة التي لم ترهبها القصور، وهو تلك العزة التي لم تنحنِ، وهو ذلك الجواب الذي أسقط مملكة، قبل أن تسقطها السيوف.‌ «قصـص ومواعظ اســــــــلامـيه» https://whatsapp.com/channel/0029VarqF5UHVvTSyo2nxl2e
Image from قصص  ـــ ومواعظ اسلاميه: دخل الوفد المسلم على يزدجرد ، كسرى الفرس ، ذاك الذي اعتقد نفسه إله في ...
👍 1

Comments