
قصص ـــ ومواعظ اسلاميه
May 20, 2025 at 07:47 PM
ضاع الإسلام منّا، ونحن لا نزال نتعارك ونتقاتل على: هل نحن عرب، أم أمازيغ، أم أكراد، أم ترك؟
ولكم في التاريخ عبرة... من "صخرة بلاي"، فلتتعلموا من الصخرة!
حين وطئت أقدام المسلمين أرض الأندلس سنة 92 هـ، كان الجيش خليطًا من العرب القادمين من الشام واليمن، ومن البربر القادمين من جبال الأطلس. وكان هؤلاء البربر – وقد دخلوا الإسلام حديثًا – هم الوقود الحقيقي للفتح، حتى إن طارق بن زياد نفسه كان بربريًا.
سيطر المسلمون على الأندلس كلها، ولم يبقَ منها إلا تلك النقطة الصفراء في الصورة، حيث تحصّن ثلاثون رجلًا، كان من بينهم "بلاي" (Pelayo)، وهو نبيل صغير، ربما من حاشية الملك القوطي "لذريق". لجأ إلى جبال أشتورياس في أقصى شمال الأندلس، وهي منطقة صعبة الوصول، مكسوّة بالغابات والثلوج. وحينها ضحك الفاتحون وقالوا: "دعوه! ثلاثون رجلًا في كهف، ما عساهم فاعلين؟"
وعند تثبيت الحكم في الأندلس، وجب توزيع المزارع، والغنائم، والإقطاعات، وكذلك توزيع الجنود لحماية الثغور.
الجنوب الأندلسي (إشبيلية، قرطبة، غرناطة): كان سهولًا خصبة، معتدل المناخ، غني الأرض، مزدهر المدن → أُعطي للعرب، واعتُبر مقرًّا للولاة ومركزًا للنفوذ.
الشمال الأندلسي (أشتورياس، قشتالة، نبرة): كان جبلًا قاسيًا، باردًا، كثير الثورات من السكان القوط → أُرسل إليه البربر لحمايته، كحاميات للثغور وفرقٍ طليعية، تراقب القبائل المسيحية الجبلية.
عاش البربر في قسوة الجبال، بينما نَعم العرب بالخصب والسلطة في الجنوب. فشعر البربر بالظلم، واعتبروا أنفسهم محرومين من المدن الكبرى، يُعاملون كجنود لا شركاء.
وفي سنة 122 هـ / 740 م، اندلعت في المغرب الأوسط والأقصى ثورة بربرية واسعة، قادها ميسرة المطغري ، زعيم قبيلة "غمارة" من جبال الريف. وحّد قبائل البربر ضد ولاتهم العرب، رافعين رايات المساواة والاحتجاج على الظلم. وكانت ثورة عارمة، امتدت من طنجة إلى الجزائر، وسرعان ما انعكست آثارها على الأندلس.
قُتل ميسرة في المغرب، لكن نار الثورة امتدت، ومعها حدثت الكارثة: فقد كان الجيش الأندلسي يعتمد على الجنود البربر، فلما وصلت نداءات الثورة، تمرّدت الحاميات، واندلعت الفتنة في الأندلس.
انسحبت جموع البربر من الثغور الشمالية للأندلس: من سرقسطة وبنبلونة وجليقية وأشتورياس، وتركوا القلاع والحصون فارغة، وهرعوا إلى الجنوب للثأر من العرب...
حينها أطلّ "بلاي" من الصخرة، فرأى الشمال خاليًا، وفراغًا أمنيًا كبيرًا. الفراغ الذي تركه البربر لم يُملأ، فدخل العدو القلاع من غير قتال.
لم يخسر المسلمون الشمال بقوة عدو، بل بسبب انسحاب داخلي، وفتنة قبلية. وهكذا، تُركت الأرض الباردة الجبلية لأعداء لا يملكون آنذاك سوى الكهوف، لكنهم امتلكوا مشروعًا طويل النفس استمر أكثر من 700 سنة.
ومن هذا الفراغ، نشأت أول مملكة مسيحية: مملكة أشتورياس، التي ستصبح لاحقًا: قشتالة، ليون، أراغون، نافارا... وهي التي ستقود "حرب الاسترداد" حتى سقوط غرناطة.
أما في الجنوب، فاشتعلت الفتنة، ورفع البربر السلاح في مالقة، وجيّان، وإشبيلية. ولم يغفر لهم العرب ما صنعوه: لتركهم الثغور، ولشقّ العصا . وسالت دماء الإخوة أنهارًا...
ثم جاء الشاميون إلى الأندلس بقيادة بلج بن بشر، كمدد من الخليفة هشام بن عبد الملك، لا لقتال العدو، بل لقتال البربر! ثم انقسم العرب بينهم: قيسية، يمانية، شامية يتقاتلون فيما بينهم ...
ومضت القرون، وسقطت غرناطة، آخر قلاع الإسلام في الأندلس سنة 897 هـ / 1492 م. ولم يكن في البلاد آنذاك بربري يحتمي بجبل، ولا عربي يتكئ على نسب، بل صار الجميع سواء تحت سيف واحد: سيف الصليب.
لم يلتفت الإسبان إلى أن هذا أمازيغي، وذاك عربي، بل جمعوهم في قاع سجن واحد، وألهبوهم بالسياط في محاكم التفتيش، وأحرقوا المصاحف والكتب والقلوب معًا. ولم يكن سؤال الجلاد عن الأصل، بل عن العقيدة.
ذُبح العربي في قشتالة كما ذُبح البربري في غرناطة، واغتُصبت النساء من الجنسين، ويُتِّم الأطفال، وأُجبر الناس على التنصير أو الرحيل. فذابت الفروق التي كانت تملأ القلوب خصامًا، لكنها ذابت بعد فوات الأوان.
وهكذا، علّم التاريخ أبناءه أن التمييز العرقي بين المسلمين هو بداية الدمار، يفتك بهم قبل أن يصل العدو، وأن كل انقسام داخلي، وكل شعور بالاستعلاء القبلي أو العرقي، لا يورث إلا الخراب .
"فلو أن البربر صبروا، والعرب عدلوا، لما قامت لأهل الجبال دولة، ولا رُفع الصليب رأسًا في جبال أشتورياس..."
فهل من معتبر؟
﴿وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ ٱلْأَنْبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌۭ بَٰلِغَةٌۭ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ﴾ [القمر: 4-5].
المصادر:
1. ابن عذاري المراكشي، البيان المُغْرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق بشار عواد.
2. ابن حيان القرطبي، المقتبس في أخبار الأندلس.
3. المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.
4. حسين مؤنس، فتح الأندلس.
5. عباس الجراري، حركات البربر في المغرب والأندلس..
6. Roger Collins, The Arab Conquest of Spain, 710–797.
٧.
«قصـص ومواعظ اســــــــلامـيه»
https://whatsapp.com/channel/0029VarqF5UHVvTSyo2nxl2e
