الصحفي عاطف الوريدات
الصحفي عاطف الوريدات
June 8, 2025 at 08:44 PM
تقترب السفينة مادلين من سواحل فلسطين التاريخية، بينما يتجهز الاحتلال لارتكاب جريمة حرب أخرى، بإعلانه نيته منعها من الوصول، والسيطرة عليها وترحيل طاقمها، المكون من ١٢ ناشط وصحفي. هذه ليست المحاولة الاولى من منظمة اسطول الحرية لكسر حصار القطاع منذ بدأ عام ٢٠٠٧ بل هي السفينة رقم ٣٦ التي تبحر نحو القطاع محملة بمجموعة من المساعدات الغذائية والطبية، وبرسالة رمزية تعلن لأهل غزة أنهم ليسوا وحدهم وتذكر العالم بواجبه الأخلاقي والإنساني تجاه اكثر من ٢ مليون انسان محاصرين منذ ١٨ سنة. تقترب السفينة كل ساعة اكثر، وتطرح أسئلة عديدة امام العالم، حول الخذلان والصمت، والواجب والممكن، واليأس والأمل، والماضي والحاضر والمستقبل، أسئلة كثيرة، أغلبها لا نجد له اجابات، او نتهرب منها، واحد منها هو السؤال الدائم عن الجدوى. سوال الجدوى هذا طُرح على واحدة من أهم النشطاء في العالم، غريتا ثونبرغ، وهي من ركاب السفينة مادلين، اذ سئلت عن جدوى محاولتهم كسر الحصار الحديدي على غزة، أمام اسطول عسكري اسرائيلي ضخم، وامام كل الاحتمالات التي تتوقع لمهمتهم الفشل، فكان جوابها كما روحها، عظيماً "يتوجب أن نستمر في المحاولة، لأن لحظة توقفنا عن المحاولة هي تلك التي نفقد فيها إنسانيتنا." هذا الجواب هو الاخر يطرح علينا نحن الباقين مجموعة جديدة من الأسئلة، ويفتح ابوابا نحاول ان نغلقها، عن وجوب المحاولة، شرعيا واخلاقيا وسياسياً، وعن قيمتها وان فشلت، ويذكرنا بحديث الفسائل الذي يُنسب للنبي عليه الصلاة والسلام "اذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" وعن حكمة الأسير العارضة - من أسرى النفق الذين خرجوا بملعقة - التي كتبها في الرواحل "لن يسألك الله، لماذا لم تنجح، لكن لماذا لم تحاول؟" ليس عندي جواب الأسئلة بالطبع، ولكن عندي تفسير بسيط لامتناعنا حتى عن المحاولة كجماعة بشرية، وخصوصا كعرب، وهو أننا عاجزون حتى في خيالنا، مستسلمون ذهنياً تماما، يائسون من أنفسنا قبل العالم. فخلال الأعوام المائة الاخيرة على الاقل، تراكمت هزائمنا السياسية والعسكرية مع الاستعمار والدولة القومية، لتتحول الى هزيمة أشد وأقسى، هي الهزيمة الروحية، والتي فقدنا خلالها قيمتنا وتعريفنا لأنفسنا ككائنات سياسية، يمكن لها أن تتغير، أو أن تغيّر. الفرق بيننا وبين المقاومين، والأسرى، والنشطاء، الذين يتحركون في الانفاق والسجون وفي البحار، هو أن خيالهم حرّ، بالمعنى الفنّي للكلمة، خيالهم اوسع من فوهة النفق، ومن نافذة السجن، ومن البحر بعرضه، وهذا هو أصل حريتهم وأملهم، خيالهم. معركة الخيال مهمة مثل المعركة على الأرض، ومن هُزم في الأولى لا يمكن أن يكون له موقع في الأخيرة، ولو على المستوى الانساني، وعليه من واجبنا الإعتراف بهذا، حتى نفهم مواقعنا وأحوالنا ونبدأ بتغييرها، ولو متأخرين. يقول مجد كيال، وأردد جملته هذه دائما "المورد التحرري الأكبر هو: القدرة على [تخيّل] العالم بدون اسرائيل"
👍 ❤️ 😢 🙏 😮 67

Comments