
تويت
June 10, 2025 at 07:26 PM
وجهة نظر احد الناشطيين
أنا شخصياً ما كنت كتير مهتم بتحليل السياسة الداخلية السورية..مو من باب اللامبالاة أو التجاهل...بل بالعكس..لأن قناعتي كانت -وما زالت- إنو الداخل عندنا ما بيكفي لوحده لصناعة التغيير...
سوريا كدولة ضعيفة اليوم داخل نظام دولي مضطرب ما عاد ممكن تنفهم أو يتم بنائها إلا من خلال موقعها ضمن موازين القوى الإقليمية والدولية..
وبالتالي..كنت دائماً مهتم أفهم شو عم يصير بالخارج، بالكواليس، بالصفقات الكبيرة، بموقع سوريا المستقبلي ضمن النظام العالمي الجديد..الخ
لأن ببساطة: الخارج هو شرط الداخل..
وبدون حماية خارجية أو توازن دولي جديد، أي مشروع داخلي مصيره الاغتيال قبل ما يولد، سواء على يد فلول النظام أو على يد منظومات المصالح الدولية..
لكن مؤخراً، ومع تصاعد الجدل حول ملف العدالة الانتقالية، وظهور شخصيات مثل فادي صقر، والعفو الواسع عن شبيحة النظام، صار من الضروري التوقف والتفكير..
فادي صقر عنجد لغز للكثيرين..
والعفو عن المجرمين و الشبيحة لغز أكبر..
وهالشي فتح المجال لكثير من الفلول لتثبيط الناس و التحريض وخلط الأوراق..
السؤال الكبير يلي الكل عم يطرحه:
هل حكومة الشرع فعلاً غافلة وغبية لهالدرجة؟
شخصياً لا اتفق مع هذا الطرح..
لأنو ببساطة خلونا ننسى تماماً موضوع العدالة كحق أخلاقي، واشتغلنا فقط بمنطق "المصلحة" فالعفو غير المنضبط عن مجرمي وشبيحة الأسد مو بس قرار مستفز..بل هو تهديد مباشر لمشروعية أي سلطة جديدة..
لأن:
أولاً الحاضنة الشعبية للسلطة الجديدة ما رح تسامح إذا شافت المجرمين و القتلة طلقاء و عم يتكرموا بدل ما يتحاسبوا.
وثانياً: فلول النظام ممكن يعيدوا تنظيم نفسهم كثورة مضادة، خصوصاً إذا شعروا أنه تم احتواؤهم بدل محاسبتهم.
فشو ممكن يكون التفسير المنطقي الوحيد لهالشي بعيداً عن نظريات المؤامرة و التخوين؟
برأيي لا يوجد الا تفسير واحد هو: الاختراق..
وهالشي عم يتم عالأغلب بإشراف إقليمي و دولي...
حكومة الشرع عم تستخدم أدوات مثل فادي صقر كمفاتيح لاختراق شبكات دولة الأسد العميقة، مو بهدف التصالح معها، بل بهدف تفكيكها من جوّا..
انشالله مفكرين انو نظام الأسد يلي صرله يبنيه نصف قرن ممكن يسقط بهالسهولة بعملية عسكرية؟ وين اختفت دولة الأسد فجأة overnight بليلة وضحاها؟
الغالبية ممكن تقول:
"ليش نحتاج فادي إذا أسماء الشبيحة معروفة وموثقة كلها بجرائمهم؟"..
جوابي هو: معرفة الأسماء شيء..وفهم البنية شيء تاني تماماً..
الثوار بيعرفوا القتلة كأفراد..شو ارتكبوا جرائم..الخ
معلوماتهم تبقى سطحية وقشرية...
بس الدولة العميقة ما كانت مبنية على الأفراد، بل على شبكات مصالح، تمويل، تسليح، وولاءات عابرة للمؤسسات الرسمية..
وفادي صقر وغيره من الشبيحة (و حتى الشخصيات الكبيرة يلي لهاللحظة ماتم محاسبتها علناً لهاي اللحظة) مانو مجرد "شخص" بل "مفتاح شبكة"..وخصوصا انه كان يعمل خارج الدوائر الرسمية..
اذا قتلنا الأشخاص و الأفراد بدون ما نقتل الشبكة نفسها..فستعيد تشكيل نفسها من جديد بأسماء و أفراد جدد..
الأفراد غير مهمين...يروح واحد منهم بيجي محله عشرة..
والحرب المفتوحة كما حدث في الساحل...هي حرب فاشلة..لن نجني منها الا التجييش الطائفي و قتل الناس البسطاء و الفقراء الذين لا ناقة لهم ولا جمل...بينما تبقى الشبكة بدون اذى او ضرر...بل بالعكس ستقوى و ستجد حاضنة جديدة متعطشة للانضمام إليها حتى من قبل الذين كانوا ضد الأسد أو حياديين..
فما حدث في الساحل من مواجهات مسلحة كان مجرد صدام دموي لم ينه الشبكة الطائفية..بل عزز رواية المظلومية وفتح مجال للثأر والتعبئة العكسية..
لذلك البديل الذكي اليوم هو:
الاختراق الناعم للشبكة من داخلها..
استخدام مفاتيحها نفسها للكشف عن خيوط التمويل ولوجستيات الحراك وأطراف الدعم الخارجي وعلى رأسها إيران..
يعني تفكيك أدوات التعبئة الفلولية قبل أن تتشكل كقوة تهديد مستقبلية..
والأهم: قطع يد إيران عن سوريا إلى الأبد..
فإيران ليست مجرد "حليف سياسي" لنظام الأسد.
بل بنت عبر 15 سنة شبكة متداخلة من الاقتصاد، الأمن، التشييع الأيديولوجي، العقارات، والاختراق المجتمعي.
والقضاء على هذا النفوذ لا يتم ببيان سياسي، ولا عبر اعتقال شبيحة معروفين..
بل يتم باختراق هيكل الشبكة من داخلها.
و فضح دوائر المال والسلاح التي تربط سوريا من شرقها لغربها..
ضرب بنية "المرجعية" الثقافية والعقائدية التي جعلت من التشييع السياسي مشروع خلاص لطبقات مهمّشة..
وهذا كله لا يمكن فعله من الخارج، بل فقط عبر "أدوات داخلية" تمتد جذورها في هذه الشبكة، مثل فادي صقر وأمثاله..
ومثل ما حكيت بمنشورات سابقة..
البارادايم السياسي الدولي الجديد هو الاستخدام الوظيفي..
لذلك حتى الشبيحة و المجرمين "وليس فقط الإيغور" عم يتم استخدامهم وظيفياً والاستفادة منهم...وبمجرد ان ينتهي دورهم سيتم رميهم بحاوية القمامة..
لكن الرهان هون، على إنه يتم استخدام هاي العناصر كأدوات مؤقتة، ضمن خطة دقيقة لإضعاف منظومة الأسد وإيران الأمنية..وليس لتمكينها بنسخة جديدة..
لأن أي سلطة انتقالية عندها خيارين فقط:
يا أما تخترق المنظومة القديمة لتفكيكها..
يا أما تنجَر لإعادة إنتاجها بلباس مختلف..
وهاد اللي بيميز بين ثورة انتصرت…وثورة تم ابتلاعها من الداخل..
التاريخ مليان أمثلة.
بألمانيا الشرقية، تم استخدام بعض عناصر شتازي مؤقتاً لتفكيك شبكات الأمن، وبعدين تم محاكمتهم..
بينما في مصر، فشلت الثورة وتم اجهاضها لما رجع العسكر بقناع جديد..لأنهم ما تفككوا، بل بس أُعيد دمجهم.
نفس الخطر وارد اليوم بسوريا..
إذا حكومة الشرع ما عندها خطة لمحاسبة هالعناصر بعد ما تنتهي وظيفتهم…فهي ما عم تخترق النظام والدولة الأسدية العميقة، بل النظام عم يخترقها..
وإذا ما في قدرة على ضبطهم، فرح يصيروا هم الدولة.. ونرجع نصحى على أسدية جديدة، باسم جديد، بنفس الأدوات.
هون بتجي أهمية العدالة الانتقالية.
مو بس كمبدأ أخلاقي، بل كـ"قيد سياسي" على تفلّت المنظومة الأمنية.
نعم، ممكن تتأجل لحين بناء سوريا بمؤسسات قوية وعبور مرحلة الهشاشة...بس لازم هالتأجيل يكون ضمن خطة متكاملة وليس تهرب او ارتجال "وأنا أستبعد ذلك".
وأما اللي بيقول إنو "كلشي كان مسرحية" أو "النصر سيناريو دولي" فهالطرح ما بيفسّر شيء…بل بيختزل كل شي بطريقة ساذجة وسطحية على مبدأ نظرية المؤامرة..
كل سقوط سلطوي بالتاريخ بيصير فيه اختراقات، وكل انتصار فيه دعم خارجي وتقاطعات مصالح، و كل سلطة شمولية يبدأ سقوطها بالانهيار من داخلها، عبر تشققات في بنية الولاء..
وفي حالة الأسد، كثرة الفساد الداخلي وتراكم تناقضات المصالح داخل الأجهزة الأمنية، جعلت أجزاء من النظام نفسه خصوصاً من الطائفة أو من مافيات المال تبدأ بالتواصل والتموضع مع الطرف الجديد القادم..
وهون يجي أهمية الاستفادة منهم وظيفياً كما أسلفت..
بس كل ماسبق ما بينفي إنو في شعب ثار و ناس استشهدت و نظام فقد شرعيته أمام التاريخ..
الثورة السورية مانها تمثيلية، بل كانت لحظة تاريخية فجرت الاستعصاء يلي خلقه نظام الأسد..
المطلوب اليوم هو فهم معقّد وواعي للمرحلة، مو ردود فعل عاطفية..
ما في ثورات بتنتصر بنقاء أخلاقي مطلق..
لكن في ثورات تنتحر لما تفشل تميّز بين استخدام أدوات العدو…وبين التحوّل له..
لننتقد بوعي..لا بتصفيق غبي ولا بتشكيك وشيطنة الآخر او استغبائه بشكل مطلق..
العدالة هدف لا يمكن التخلي عنه، لكن الوصول إلها بحاجة لصبر استراتيجي، وليس قفزات عاطفية متسرعة..