
في طاعة الله اجتمعنا *✲゚*
June 11, 2025 at 07:22 PM
وَبعد أن أتممتُ حِفظ القُرآن كاملًا ، هلَّلتُ في المَسجد فرحًا بالمُبتغى ، وبدأتُ أتفاخر بذلك ، وقُلت بصوتٍ مِرتفع : ها أنا ذا ، لقد أصبحت مِن أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ الله وَخَاصَّتُهُ.
فـ باركَ لي شيخي ، ثُمَّ قال لي :
يا بُنيّ ،
قبل أن تَتفاخر بقراءاتك العَشر ، وعدد الإجازات، وَصوتِك الحَسن ، وإتقانِك لِلرواياتِ.
ابحث عن أَثر القُرآن في قَلبك وَقالِبك وقِبلتك ، وجِدْه في نَفسك وَتنفّسك ، وتحرّاهُ في سكناتِك وأفعالك وأقوالك ..
فليس القرآن لتُتقنه الحناجر، وتعلو به الأصوات، وتترنّم به الأسماع.. إنما ليوقظ الضمائر، ويصلح السرائر، ويُحرِّك القلوب.
يا بُنيّ ..
هَل يرقُّ قلبك بالقُرآن !
إن الصُدورَ أوعيةٌ لكتابِ اللهِ ، وأنتَ في إتقانِه وقراءتِه والعَمل بهِ كحامل راية الإسلام ، والمُدافع عنها ، وَمن تعلّم [ حقّ التَّعلُّم ] لجأ لبابِ اللَّهِ عُمْرًا، وتمشّى مِن بَعدِهَا حذِرًا خشيةً مِن ربّه ..
علَّكَ تبقى عُمرك كُله تَحفظ آية واحدة وتَعملُ بها فتُدخلك الجنَّة ، وعلَّكَ تُلقّب بحامل القُرآن ، وأنتَ لستَ حاملًا سوى لِلَّقبِ فقط.. أمّا الأمانة - فقد ضيّعتها.
يابُنيّ ..
إِنَّ القُرآن فِي الحَياةِ نجاة ، وقَد فَازَ فِيْ هَذا الزَّمَانِ مِن تمسّك بهِ ، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَى نبيّك ، إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم.
رقّت عيناي مِن الدَّمع ، وتحشرجَ صوتي مِن البُكاء ، ونظرتُ إلى الأرض بخجل، فاقتربَ الشيخ منّي ، ووضع المُصحف أمامي وقال :
أَهْلُ الْقُرْآنِ قَد وَضعَ اللّٰه بينَ أَيْدِيهِمْ أمانة ، قَد عرضها عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ
[ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ، وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا] ، وَحَمَلَتها أنتَ يا مِسكين ، فلا تَكُن ظلُومًا جَهُولًا لِنفسك.
ثُمَّ وضع المُصحف بين يدّي ، وذهبَ وتركَني مَع تِلك الكَلمات..
ومرّ أكثر مِن ثلاثينَ عامًا ، أتقنتُ فيهم ثَلاثينَ ختمة ، ولا زلتُ أرى أنّي لستُ حافظ.
- إسراء عاطف