
التربية النبوية الشريفة
June 8, 2025 at 06:07 PM
*في اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم لأقربائه المؤذين*
قال العارفون بالله: ليس كل ابتعادٍ عن ذي رحمٍ هجران، ولا كل صمتٍ عنهم جفاء، بل قد يكون في البُعد رحمة، وفي التغافل حفظٌ للقلوب من التلوث بالأذى.
فالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو إمام الصلة وصاحب القلب الأوسع، لما اشتد أذى بعض من قرابته، ما كان اعتزاله لهم هجراً، بل كان حفظًا للرسالة، وصونًا للروح، وتقديرًا للقدر.
إنّ حفظ النفس من أذى القريب أولى من مدّ الجسور لمن يتخذها سبيلاً للضرر.
فالعارفون قالوا: "صلة الرحم لا تعني انكسار النفس تحت وطأة الأذى، بل تعني دوام البرّ في إطار السلام، وتقديم الدعاء في مقام البُعد، والتعامل الرسمي إن غاب الأمان."
وما قَطَع النبيُّ صلته بهم دعاءً ورحمةً، لكنه آثر الحكمة على المجاملة، والصفاء على التقرب الملوث.
فليكن لنا في فعله قدوة، وفي حكمته نور، أن نَصل من لا يؤذينا، ونتعامل بالحسنى مع من يؤذينا، لكن بقدرٍ لا يُطفئ نور أرواحنا.
ليس القُرب بالبدن دليلًا على القرب في الأرواح، ولا كل ذي رحمٍ مؤتمنًا على القلب.
وقد ضرب النبي ﷺ أعظم مثال في هذا، حين اعتزل من كان من قرابته يؤذيه، لا لأنه قاطعٌ لرحمه – حاشاه – بل لأنه يعلم أن الأرواح أوعية، وإذا امتلأت بالأذى، ضاق صدرها عن أداء الرسالة.
فكان اعتزاله ﷺ رحمةً بنفسه، وعدلًا في التعامل، ووقارًا للنبوة.
لم يحمله النسب على السكوت عن الظلم، ولم يترك للقرابة سبيلاً لخرق حدود الاحترام.
فَهمٌ راقٍ: *ما الفرق بين صِلة الرحم وترك الأذى؟*
قالوا: الصلة الحقيقية ليست في كثرة المجالس والضحكات، بل في الدعاء، والكفّ عن الأذى، والتعامل بالمعروف.
وقد تكون صلتك الحقيقية بمن أذاك أن تكفّ يدك ولسانك عن الرد عليه، وتدعو له بظهر الغيب، وتتعامل معه بقدرٍ محفوظ لا يفتح باب الفتن.
✦ *كيف نتعامل مع الأقارب المؤذين؟* ✦
1. الحذر بلا قطيعة
تعامل معهم كما تتعامل مع نارٍ في بيتك، لا تلمسها، لكن لا تهملها.
كن رسميًا، واضحًا، بلا استرسال في العلاقة ولا غلظة في الرد.
قلل الحديث، واضبط العاطفة، واجعل العلاقة تحت سقف "البرّ بلا ضرر".
2. لا تفتح لهم سُبل الأذى
من عرف طريقًا لأذيتك مرة، سيسلكه مرارًا ما دمت تفتح له الباب.
ضع حدودًا واضحة، واعتذر عن المجالس التي تتكرر فيها الإساءات، ولا تُلزم نفسك بما يتجاوز طاقتك.
3. صِلهم بالدعاء والنية الصالحة
ولو أنك اعتزلتهم بالجسد، فلا تقطعهم من قلبك.
ادعُ لهم بالصلاح، واستغفر لهم في الخفاء، وتذكّر أن الله يصل من وصل رحمه، ولو كانت صلته بالدعاء فقط.
4. لا تبرر لنفسك الغضب المَرضيّ
لا تجعل من أذاهم ذريعةً لتأكل قلبك بالكراهية.
كن كالنخلة، تُرمى بالحجر فتعطي الثمر، لكنّها لا تُنزل رأسها لمن يهينها.
5. استعن بالله على ضبط النفس
إن التعامل مع المؤذي من ذي الرحم بلُطفٍ دون انكسار، يحتاج إلى مددٍ رباني.
فأكثِر من الدعاء: "اللهم اجعلني ممن يصل رحمه بلا خنوع، ويعفو بلا خذلان، ويحفظ قلبه من الحقد".
وفي الختام
قال أحد العارفين:
"ليس من الصدق أن أقول إني أُحب لله وأبغض لله، إن كنت لا أزن نفسي عند أذى القريب بموازين النبوة. فمحمد ﷺ، في قمة البلاء، كان يعتزل، لا يقطَع. ويعفو، لا يُهان. ويحفظ نفسه، لا يُعادي. فكن على أثره، تنجُ."
والله ولي التوفيق
*الطريقة المحمدية العلية الهاشمية الشريفة*
❤️
💎
5