شذرات التوحيد
شذرات التوحيد
June 2, 2025 at 02:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ══════❁✿❁═════ تعقيب على رؤيا منامية بشأن الحرب ══════❁✿❁═════ الحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبعد: ✍️ فهذا تعقيب على ما تضمنه مقطع (فيديو) للأخ محمد هاشم الحكيم غفر الله لنا وله، أقول وبالله التوفيق: ▫️أولًا: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بصفاته التي هو عليها حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل بصورته صلى الله عليه وسلم، نعم قد يخدع الشيطان بعض الناس فيأتيهم في صورة رجل آخر ولو كانت حسنة ويدعي أنه النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا ممكن وصاحبه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، روى البخاري بسنده من حديث أبي هريرة قال: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي»، قال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري: قال ابْنُ سِيرِينَ: «إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ». 📖 ذكر ابن حجر في فتح الباري (٣٨٣/١٢) أن الأثر موصول إلى مُحَمَّد بن سِيرِينَ، كان إِذَا قَصَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صِفْ لِيَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فَإِنْ وَصَفَ لَهُ صِفَةً لَا يَعْرِفُهَا قَالَ لَمْ تَرَهُ"، قال ابن حجر: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. ▫️ثانيًا: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ليست وحيًا بالاتفاق، ولا تبنى عليها أحكام شرعية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما قبضه الله إليه إلا بعد تمام الدين وكمال الشريعة، وقد نقل النووي في شرحه على مسلم (١١٥/١) عن القاضي عياض أن ما يراه الرائي لا تَبْطُلُ بِسَبَبِهِ سُنَّةٌ ثَبَتَتْ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ سُنَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء، ثم ذكر النووي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ بِسَبَبِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ، وأنه لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ النَّوْمِ لَيْسَتْ حَالَةَ ضَبْطٍ وَتَحْقِيقٍ. 🔹 أقول: والضبط مشترط حتى في رواية اليقظة، ولهذا كان شرطًا في صحة الحديث، فكيف برواية النوم. ⏪ وقال أبو إسحاق الشاطبي في الاعتصام (٣٣١/١) وهو يتكلم عن ضْعَف احْتِجَاج من اسْتَنَدُوا إِلَى الْمَنَامَاتِ، قال: "وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي كَذَا، وَأَمَرَنِي بِكَذَا، فَيَعْمَلُ بِهَا وَيَتْرُكُ بِهَا مُعْرِضًا عَنِ الْحُدُودِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَا مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُحْكَمُ بِهَا شَرْعًا عَلَى حَالٍ إِلَّا أَنْ تُعْرَضَ عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ... وَإِنَّمَا فَائِدَتُهَا الْبِشَارَةُ أَوِ النِّذَارَةُ خَاصَّةً، وَأَمَّا اسْتِفَادَةُ الْأَحْكَامِ فَلَا". ▫️ثالثًا: ما ذكره الأخ محمد الحكيم، لم يكن مناسبًا أن يحكيه لعامة الناس وينشره في الملأ، لما فيه من التغرير، والتلبيس عليهم، قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (١٢٦/٩) لقول الله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} يوسف: ٥، قال: "هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي ألا نقص الرُّؤْيَا عَلَى غَيْرِ شَفِيقٍ وَلَا نَاصِحٍ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ التَّأْوِيلَ فِيهَا"، فلا مصلحة في حكاية ما حكاه الأخ محمد الحكيم، بل فيه مفاسد، وعامة من يسمعه سيلتقط منه إشارتين: انتهاء الحرب، والتفاوض مع المتمردين القتلة، وهذا أمر ضار جدًا، وحكاية ذلك منافية للفقه، والحكمة، والواقع. ▫️رابعًا: لم يتوقف الأخ محمد الحكيم عند حكاية الرواية، بل أسس عليها دعوته للتفاوض، واستشهد خطأً بقول الله سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه} [الحجرات: ٩]، ووجه الخطأ أن المتمردين ومن وراءهم ليسوا بغاة ولا يدخلون تحت الآية، بل هؤلاء غزاة وخارجون، والشرع فرق بين البغاة من المسلمين فجاءت فيهم آية الحجرات التي استشهد بها الأخ الحكيم، وبين الخوارج والغزاة، فقال فيهم صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم: «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ»، وقال: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ»، وفي رواية: « قَتْلَ عاد»، والحديث في الصحيحين. ▫️خامسًا: مبدأ التفاوض مقبول، وقد أكدت قيادة الدولة هذا المبدأ، ولكن من تفاوض؟ ومتى تفاوض؟ وعلام تفاوض؟ وكيف تفاوض؟ هذه أمور ليست من شأن عامة الناس ولا مصلحة لهم في مخاطبتهم بها، وإنما هذه أمور تخضع لجملة معطيات وأسس وقواعد منها العسكرية، ومنها الفقهية الشرعية، ومنها القانونية، ومنها السياسية، وهذه أمور ترجع إلى أهل الشأن والاختصاص، وليست أمورًا تقوم على رؤى، ولا تطرح على العامة. أسأل الله العلي القدير أن يبصرنا في ديننا، وأن ينصرنا على عدونا، وأن يهزم عدونا ويريح بلادنا من شره وكيده، وأن يسدد رأينا ورمينا، إنه على كل شيء قدير. ___ نشر بتاريخ: ٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ، الموافق 2025/6/1م ════════❁══════ فضيلة الشيخ الدكتور: حسن أحمد الهواري حفظه الله ════════❁══════
❤️ 👍 6

Comments