قناة أ.د طلال بن سليمان الدوسري
قناة أ.د طلال بن سليمان الدوسري
June 3, 2025 at 03:05 PM
_*وصايا للحاج*_ الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: *فهذه رسالة أبعثها إلى أخي وأختي الذين أنعم الله عليهما بحج بيت الله الحرام أوجزها في نقاط:* *أولاً:* استشعر عظيم نعمة الله عليك بتيسير حج بيته الحرام لك، فلولا فضل الله عيك ورحمته ما سرت في ركب الحجاج لبيته، ولما تهيأت لك أسباب ذلك! *واستحضر أنه اختارك من بين الكثيرين!* فما نسبة الحجاج إلى عموم المنتسبين للإسلام إلا واحد من ألف أو تكاد! *ثانياً:* وإذا استشعرت ذلك امتلأ قلبك محبة لله سبحانه وتعظيماً وشكراً، وكان حرياً به أن يخلوا من الريا والعجب ونحوهما من الأدواء المهلكة، *فما أحقر وأقل أن يبتغي حاج بحجه أو شيء من عمله غير وجه الله سبحانه!* قال ابن رجب رحمه الله: "ومما يجب اجتنابه على الحاج وبه يتمّ برّ حجّه أن لا يقصد بحجّه رياء ولا سمعة ولا مباهاة ولا فخرا ولا خيلاء، ولا يقصد به إلاّ وجه الله ورضوانه، ويتواضع في حجّه ويستكين ويخشع لربّه. روي عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حجّ على رحل رثّ وقطيفة ما تساوي أربعة دراهم، وقال: (اللهم اجعلها ‌حجّة ‌لا ‌رياء ‌فيها ‌ولا ‌سمعة)" [لطائف المعارف (ص414)]. *ثالثاً:* رحلة الحج رحلة عظيمة قد لا تتكرر، وأيامه معدودة، وثوابه عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه) [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له ‌جزاء ‌إلا ‌الجنة) [متفق عليه]. فإذا علمت ذلك فاحفظ وقتك أن يقع فيه ما يخدش حجك من غيبة أو نميمة، أو نحوهما، واعمر وقتك ما استطعت بأنواع الطاعات من صلاة، وقراءة قرآن وذكر، ونحوها، وقد كان بعض السلف رحمهم الله يحبون ختم القرآن في الحج أو العمرة، *قال إبراهيم النخعي رحمه الله: "كانوا يحبون إذا دخلوا مكة أن لا يخرجوا حتى يختموا القرآن"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "كان يعجبهم إذا قدموا مكة لحج أو عمرة ألا يخرجوا حتى يقرؤوا ما معهم من القرآن". [رواهما ابن أبي شيبة في المصنف]. فيا أخي الحاج قراءة القرآن من خير ما تعمر به وقتك وتصلح به قلبك*؛ فإن تيسر لك ختم القرآن فخيرا فعلت. وإذا أعانك الله على قراءة كتابه وأنت متلبس بهذه العبادة العظيمة راجيا أن ينعم الله عليك بالرجوع من ذنوبك كما ولدتك أمك.. إذا أعانك الله على ذلك فاعرض نفسك على أوامره وانظر موقعك منها وحاسبك نفسك على امتثالها.. واعرض نفسك على نواهيه وانظر موقعك منها وحاسب نفسك على الكف عنها.. وانظر في أخباره وتأمل لم ساقها وأيقن بها واعمل بما تقتضيه.. وانظر في قصصه وخذ العظة منها.. ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢]. *رابعاً:* ومهما اجتهدت في الطاعة فاعلم أن حق الله سبحانه أعظم، فمهما اجتهد العبد فإنه لا يخلوا من التقصير، فعليك باستحضار ذلك والإخبات لربك سبحانه والإنابة إليه، والإكثار من الاستغفار، وفي آيات الحج يأمر الله سبحانه بذلك فيقول: ﴿فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا ‌مِنْ ‌حَيْثُ ‌أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 198 - 199]. *خامساً:* اعتن بحجك، واجتهد في موافقة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، وتعلم أحكام المناسك قبل أن تفعلها، حتى لا تسأل عن شيء بعد فعله وقد كان بإمكانك معرفة حكمه قبل أن تفعله، وذلك بقراءة الكتب المختصرة في صفة الحج، وسؤال المتأهلين الموثوقين للفتوى. *سادساً:* اجتهد في الدعاء في مواضع الدعاء في الحج خاصة يوم عرفة، وغير خافٍ عنك حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقد صلى الظهر والعصر جمع تقديم ليتفرغ بعد ذلك للدعاء سائر وقته، وبلغ من اجتهاده صلى الله عليه وسلم في ذلك ما رواه النسائي عن أسامة بن زيد: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته، فسقط ‌خطامها، ‌فتناول ‌الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى). *ومن الحرمان أن تهذب عشية عرفة أو شيء منها على الحاج بالنوم أو القيل والقال!* ومواقف الدعاء المحفوظة للنبي صلى الله عليه وسلم في الحج ست، ذكرها ابن القيم رحمه الله بقوله: *"تضمنت حجته صلى الله عليه وسلم ست وقفات للدعاء: الموقف الأول: على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية"*. [زاد المعاد (2/ 350)] *يسر الله حجك وأعانك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وتقبل منك وردك مقبولاً مبروراً* طلال بن سليمان الدوسري الثلاثاء 7 /12 /1446

Comments