العشر التي تهزّ الأرواح وتوقظ القلوب ما إن تُقبل أيام العشر من ذي الحجة، حتى تهبَّ نسائمٌ ربانيةٌ توقظ في القلب شوقًا عجيبًا... شوقًا للخير، وحنينًا للقرآن، ورغبةً في الطهارة، وكأنّ الأرواح كانت تنتظرها لتتنفّس من جديد. إنها الأيام التي أقسم الله بها في كتابه: "وليالٍ عشر"، وأيّ فضل أعظم من أن يقسم الجليل بها؟! إنها الأيام التي تفتح فيها أبواب السماء، وتتنزّل فيها الرحمات، وتُعرض فيها الأعمال على الله، فيُحبّ أن يراك فيها ساجدًا، ذاكراً، باكيًا، متبتّلاً... يُحب أن يراك وأنت تتقرب إليه وكأنك لم تعصه يومًا. وقد اختصها الله بمزيد من الفضل والبركة، ورفع منزلتها على سائر الأيام، حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" [رواه البخاري]. في هذه العشر، يتبدّل ميزان الزمن، فساعة فيها تعدل دهورًا، ودمعة فيها قد تكون سببًا في غفران العمر كله، وعمل صغير يُرفع إلى الله مضاعفًا، حتى يُدهشك عطاؤه وفضله. هي أيام تُحيي الموات فينا... من كان بعيدًا، يجد فيها باب العودة مشرّعًا، ومن كان مُثقَلاً، يشعر فيها بالخِفّة، ومن كان تائهًا، يعود إلى الطريق. وفي قلب العشر، يومٌ عظيم، يُقال له يوم عرفة، يوم العتق والمغفرة، يوم لا يُشبهه يوم، تباهي فيه الملائكة، وتُمحى فيه السيئات، وتُرفع فيه الدعوات، وتُغسل فيه القلوب. هذا موسم خير لا يتكرر إلا مرة في السنة، فلنجتهد فيها بأنواع الطاعات: من ذكر، وصيام، وتلاوة، وتكبير، وصدقات، ولنحرص على صيام يوم عرفة خاصة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" [رواه مسلم]. فيا من ضاقت به الدنيا، ويا من كثرت عليه الذنوب، ويا من يشعر أنه بعيد... العشر جاءت لأجلك، لتقول لك: عد إلى الله، فإن لك عنده مكانًا لم تبلغه بعد... مكانًا لا يصله إلا المُقبلون، المُتعبّدون، الصادقون. فلا تجعلها تمضي كما مضت غيرها…صم، كبّر، سبّح، تصدّق، ابكِ، اسجد، وناجِ…،فلعلّها تكون عشرك الأخيرة، أو لعلك تبلغ بها الجنة من أقصر طريق. #منتدى_قضايا_الثورة #عشر_ذو_الحجة