
فتحي بن لزرق
June 8, 2025 at 07:12 PM
#عدن_التي_لا_نعرفها
فتحي بن لزرق
غادرت صابرين جلال عدن، وهي التي لم تغادرها حين كانت القذائف تمطر اركانها وتهدد نبضها من كل جانب. صمدت في وجه الحرب، لكنها انكسرت امام ضيق الحياة في زمن السلم، حين صار الوجع بلا صوت، والموت بطيئا، والخوف يولد من عيون رفاق دربها.
وقبلها بايام، رأيت الممثل صالح الحسني يفر الى صنعاء، بعد ان اعتقل لانه عبر عن وجع الناس، وانتقد انقطاع الكهرباء، لا اكثر. لم يحمل سلاحا، لم يحرض، بل نطق بما يعانيه الملايين... فصار خصما يلاحق.
ثمة حقيقة لا بد ان تقال، بعيدا عن الخوف والمجاملة: هذه المدينة تنزف ابناءها بصمت، وتتساقط اسماؤهم من دفتر ذاكرتها كما تتساقط اوراق الخريف عن شجرة اكلها الحنين.
سر في شوارع الفيصل بالقاهرة، حدق في الوجوه العابرة، ستعرف ان عدن هناك، بكل الوانها بلهجتها وحنينها. ابناء عدن هم اول من دفعتهم ظروف مابعد 2015 الى الرحيل، قسرا لا طوعا، وكانها لم تعد تتسع لابنائها الاصليين.
هذه عدن لم تعد كما عهدناها، والوطن لم يعد هو الوطن. بات الكلام خيانة، والصمت انكسار، والتفكير في الغد تهمة. الخوف صار صديقا دائما، والامل صار رفاهية لا يملكها احد.
غادرت صابرين، وغيرها كثيرون، ضمن نزف طويل عانته عدن منذ 2015، نزف شمل مئات من ابنائها الذين وجدوا في الرحيل وطنا بديلا، بعد ان ضاقت بهم مدينتهم الام، او اختاروا البقاء على مضض في مكان صاروا فيه غرباء بلا ملامح، بلا هوية، كانهم لم يولدوا فيها يوما.
عدن لم تعد للجميع كما كانت والوطن لهم بكل ابنائه، بل صارت حكرا على فئة ترى فيها ارثا خاصا لا يشاركهم فيه احد. ولكي تعيش وتعتاش، عليك ان تكون من طينتهم، تشبههم في الولاء، وتسبح بحمدهم، او تتوارى في الزوايا كانك عابر سبيل.
كثيرون، مثل صابرين، يفكرون الان في الرحيل، ليس هربا من الغلاء والمعاناة فقط، بل من شعور قاتل بانك مواطن من الدرجة الثالثة او الرابعة... بانك عالة في مدينتك، دخيل في حارتك، متهم بمجرد انك لا تصفق.
رفقا بعدن وابنائها يا هؤلاء... فالمدن لا تصمد بالقمع، ولا تبنى بالاقصاء. وان ضاقت عدن باهلها، فباي ارض يفترض ان تتسع لهم الحياة؟
فتحي بن لزرق
٨ يونيو ٢٠٢٥. https://www.facebook.com/bnlazrq/posts/pfbid0Xx1QP6GGdcftXcvE5zpStob7TBszQtPjFm75pfMt9Gf6a34XzFEMPESf5F8MjEBil
👍
❤️
😂
😢
😮
53