حسين محمد حجازي
حسين محمد حجازي
June 9, 2025 at 08:13 AM
وداع منى.. حين تغادر الأجساد وتبقى الأرواح الحمد لله الذي شرع لعباده الحج، وجعل فيه الرحمة والمغفرة، والصلاة والسلام على من قال: "خذوا عني مناسككم"، محمدٍ بن عبد الله، النبي المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: يا حجاج بيت الله، يا من شرفكم الله بالوقوف في عرفات، والمبيت في مزدلفة، والمقام في منى.. ها أنتم اليوم تتهيأون لمغادرتها، بعد أن أديتم ما أوجب الله، ورجوتم ما وعد، وبذلتم النفس والمال، تقرّبًا وطاعةً لله رب العالمين. منى لم تكن مجرّد مكان.. بل كانت مدرسةً في الطاعة، ومعسكرًا للتهذيب، وميدانًا للتوبة والعودة إلى الله. هناك رُميت الجمرات، رُميت معها وساوس الشيطان، وتُركت المعاصي خلف ظهور التائبين. في منى، عاش القلب أيامًا بيضاء نقية، فصلى وسجد ودعا، وتذلل لله، يرجو رحمته ويخشى عذابه. كم من دمعة نزلت في هدوء الليل، وكم من دعوة ارتفعت، وكم من عهد جُدد بين العبد وربه! قال تعالى: > "ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم" [البقرة: 199]. نعم، بعد الإفاضة، وبعد أيام منى، يبقى أعظم ما يُحمل: الاستغفار.. وكأن الرسالة أن من رجع من الحج، رجع بقلب مغفور له، طاهرٍ من الذنوب كيوم وُلدته أمه، كما قال رسول الله ﷺ: > "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه" [متفق عليه]. أيها الأحبة، في وداع منى، تفيض الدموع، لكن لا حزن على فراقها، بل رجاء أن تبقى آثارها في القلب. غادروا منى ولكن لا تودّعوا ما غرسته فيكم: الصبر، واليقين، والتجرد، والتوبة، والتوكل. غادروا منى، وقلوبكم معلّقة بالعرش، عامرة بذكر الله، متشبّثة بطريق الهداية. واحفظوا هذا الدعاء في طريق عودتكم: > "اللهم لا تجعل هذا آخر العهد ببيتك الحرام، وارزقنا حجًا بعد حج، وزيارة بعد زيارة، في عافية ورضا يا أرحم الراحمين." فيا من غادر منى، لا تنسَ منى. > "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا" [البقرة: 200]. والله نسأل أن يتقبل منكم، ويعيدكم إلى أهلكم سالمين، مغفورًا لكم، ويكتب لكم حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
❤️ 👍 🙏 🇲🇦 👌 🇩🇿 🇪🇸 🇮🇶 🇹🇳 79

Comments