دار الراوي الجديد الطائف
دار الراوي الجديد الطائف
June 18, 2025 at 07:05 PM
إذا ذكر كتاب بسط سامع المسامر في أخبار مجنون بني عامر، وجب أن يذكر أصله نزهة المسامر في ذكر بعض أخبار مجنون بني عامر، وإذا ذكر أبو عبد الله شمس الدين محمد بن على بن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي صاحب الكتاب الأول، وجب أن يذكر صاحب الكتاب الثاني ، وهو أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد بن عبد الهادي الصالحي الحنبلي المشهور بابن عبد الهادي، وبابن المبرد أيضا، وهو بكسر الميم وسكون الباء وفتح الراء. فتشابه اسمى الكتابين إلى ذلك الحد يبين لنا مدى اعتماد ابن طولون في كتابه على كتاب شيخه ابن عبد الهادي، ولا عجب فإن صاحب كتاب بسط سامع المسامر كان يلقب سيوطي الشام ، نسبة إلى جلال الدين السيوطي المصري، وكان شيخا لابن طولون أيضا بالإجازة كما سيأتي في ترجمته، فكان يقوم في الشام بما يقوم به شيخه السيوطي في مصر، من الإغارة على كتب غيره بالجمع والاختصار والترتيب، وهذا إذا كان يؤخذ عليهما فإنه يؤخذ لهما أيضا ، لأن كثيرا من الكتب التي أغارا عليها بذلك قد فقدت ولم يبق إلا كيما المأخوذة منها، والظاهر أن كتاب : نزهة المسامر - لا بن عبد الهادي مفقود أيضا، ولكنه في حكم الموجود بكتاب تلميذه بسط سامع المسامر. ومن ينظر في الترجمتين الآتيتين لابن طولون وشيخه ابن عبد الهادي يدرك أنهما كانا فقيهين محدثين أكثر منهما أديبين، وهذه كانت الصبغة العلمية الغالبة على المشتغلين بالعلم في القرون المتوسطة إلى عصر النهضة الحديثة، وكان لاشتغال ابن طولون بالحديث وروايته أثره في عنايته بالإسناد فيما يرويه من أخبار مجنون بني عامر وأشعاره، فقد عُني فيما صح عنده منها بروايته عن الثقات الذين ينتهى سندهم إلى من اجتمعوا بمجنون بني عامر ورووا عنه ، وقد بقي كتابه - بسط سامع المسامر - بخطه لم يتناوله النساخ من العوام وأشباه العوام بالتحريف والتشويه وعدم التفرقة بين الصحيح وغير الصحيح من أخبار مجنون بني عامر ، وهذه ميزة لها قيمتها ، وقد نوهنا بها في طبعتنا الأولى لديوان المجنون برواية الوالي، وذكرنا أن هذا الديوان قد زاد فيه أولئك النساخ كثيرا من الأساطير المنحولة، ما شوه أخبار مجنون بني عامر وجعله أشبه بأسطورة، وقد ذكر بعضه في بسط سامع المسامر ، ولكن مع بيان ضعفه. وقد تناول ابن طولون دراسته المجنون بني عامر بما هيأته له صبغة الفقيه المحدث، وبما هيأه له حال عصره من غلبة هذه الصبغة على الصبغة الأدبية، فلم يكن له فيه جولات أدبية كجولات علماء الأدب في عصوره الزاهرة الأولى، وإنما هي جولات قليلة وضعيفة إلى حد ما؛ ولكنها على كل حال خير مما فعله العوام وأشباه العوام بأخبار مجنون بني عامر و أشعاره " الأخبار والأشعار. وفيها من حسن الترتيب والتبويب ما لا يوجد فيما تداوله الناس من تلك وكان السيد الحاج على يوسف سليمان قد استجاب لدعوتي له إلى نشر هذا الكتاب، وكلف بعض النساخ بنقله من دار الكتب المصرية، فلم ينقل منه إلا صفحات قليلة في عامين أو أكثر، وله عذره في ذلك، لأن خط ابن طولون ردى. إلى حد كبير، ومع هذا كان همه مصروفا إلى نقل أكثر ما يمكنه من الكتب، فشغله هذا عن إعادة النظر فيما ينقله منها، ليصحح ما يفوته من النقل وما يقع فيه من الخطأ، ويعلم الله كم عانيت في تصحيح ما فاته من ذلك، وإن كنت لم أشر إلى أكثره لظهوره، وهو عندي لا يصح بعض المشتغلين بتحقيق الكتب القديمة، لأن مثل هذا ليس مما يهم عندي أن يحسب عليه، ولا يصح أن يطول الكتاب به، كما يفعل وإنما أتناوله على هامش ما أغنى به في ميدان التأليف، والله حسبي ونعم الوكيل.
Image from دار الراوي الجديد الطائف: إذا ذكر كتاب بسط سامع المسامر في أخبار مجنون بني عامر، وجب أن يذكر أصل...

Comments