
فتاوى سبل السلام
June 19, 2025 at 11:26 AM
قال تعالى: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾ [الفاتحة ٦]
♦️قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اهْدِنا﴾ رَغْبَةً، لِأنَّها مِنَ المَرْبُوبِ إلى الرَبِّ، وهَكَذا صِيغَةُ الأمْرِ كُلُّها، فَإذا كانَتْ مِنَ الأعْلى فَهي أمْرٌ.
♦️والهِدايَةُ في اللُغَةِ الإرْشادُ، لَكِنَّها تَتَصَرَّفُ عَلى وُجُوهٍ يُعَبِّرُ عنها المُفَسِّرُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الإرْشادِ، وكُلُّها إذا تُؤُمِّلَتْ رَجَعَتْ إلى الإرْشادِ.
♦️فالهُدى يَجِيءُ بِمَعْنى: "خَلْقُ الإيمانِ في القَلْبِ"
ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللهُ يَدْعُو إلى دارِ السَلامِ ويَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: ٢٥]. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ [القصص: ٥٦]. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]. قالَ أبُو المَعالِي: فَهَذِهِ آيَةٌ لا يَتَّجِهُ حَمْلُها إلّا عَلى خَلْقِ الإيمانِ في القَلْبِ، وهو مَحْضُ الإرْشادِ.
♦️قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وقَدْ جاءَ الهُدى بِمَعْنى "الدُعاءِ".
مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ [الرعد: ٧]، أيْ: داعٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] وهَذا أيْضًا يُبَيِّنُ فِيهِ الإرْشادَ، لِأنَّهُ ابْتِداءُ إرْشادٍ، أجابَ المَدْعُوَّ أو لَمْ يُجِبْ.
♦️وقَدْ جاءَ الهُدى بِمَعْنى "الإلْهامِ"،
مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ [طه: ٥٠]، قالَ المُفَسِّرُونَ: مَعْناهُ: ألْهَمَ الحَيَواناتِ كُلَّها إلى مَنافِعِها. وهَذا أيْضًا يُبَيِّنُ فِيهِ مَعْنى الإرْشادِ.
♦️وقَدْ جاءَ الهُدى بِمَعْنى "البَيانِ"
مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ [فصلت: ١٧]، قالَ المُفَسِّرُونَ: مَعْناهُ: بَيِّنًا لَهُمْ، قالَ أبُو المَعالِي: مَعْناهُ دَعَوْناهم. ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى﴾ [الليل: ١٢] أيْ: عَلَيْنا أنْ نُبَيِّنَ، وفي هَذا كُلِّهِ مَعْنى الإرْشادِ،
قالَ أبُو المَعالِي: وقَدْ تَرِدُ الهِدايَةُ والمُرادُ بِها "إرْشادُ المُؤْمِنِينَ إلى مَسالِكِ الجِنانِ، والطُرُقُ المُفْضِيَةُ إلَيْها".
مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى في صِفَةِ المُجاهِدِينَ: ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أعْمالَهُمْ﴾ [محمد: ٤] ﴿سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بالَهُمْ﴾ [محمد: ٥]، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاهْدُوهم إلى صِراطِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٢٣]، مَعْناهُ: فاسْلُكُوهم إلَيْها.
♦️قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ الهِدايَةُ بِعَيْنِها هي الَّتِي تُقالُ في طُرُقِ الدُنْيا، وهي ضِدُّ الضَلالِ، وهي الواقِعَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اهْدِنا الصِراطَ المُسْتَقِيمَ﴾. عَلى صَحِيحِ التَأْوِيلاتِ، وذَلِكَ يُبَيِّنُ مِن لَفْظِ الصِراطِ،
♦️و"الهُدى" لَفْظٌ مُؤَنَّثٌ، وقالَ اللِحْيانِيُّ: هو مُذَكَّرٌ، قالَ ابْنُ سِيدَهْ:
♦️و"الهُدى" اسْمٌ مِن أسْماءِ النَهارِ،
♦️قالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
حَتّى اسْتَبَنْتُ الهُدى والبِيدُ هاجِمَةٌ
يَـخْـشَـعْـنَ في الآلِ غُلْفًا أو يُصَلِّينا
♦️تفسير ابن عطية رحمه الله