أعمل مدرسة في حي لا بأس به نسبيا مقارنة مع غيره من الأحياء ؛ لكن أغلبية طلاب مدرستنا كانوا وافدين من أحياء فقيرة نظرا لكثرة عددهم و لعدم توفر عدد كافي من المدارس الإبتدائية لهم في تلك الأحياء... منذ سنوات و في بداية كل عام دراسي أرغب باختيار الصف الأول الابتدائي لأقوم بتدريسه بما يتطلب مني هذا العمل من جهد و تعب و أجر و ثواب ... لكنني لن أنس ذلك اليوم ماحييت !!! في هذه السنة بعد أسابيع قليلة من بدء العام الدراسي الجديد وفي إحدى حصص الرياضيات عندما رسمت على السبورة موزتين + موزة = .... ليجيب أغلب الطلاب إجابة صحيحة لكنني تفاجأت بعد ذلك من الطالب " تامر " عندما وقف و رفع يده بسؤال ؟؟؟ آنستي .. هانحن تعلمنا منك حاصل جمع موزتين زائد موزة يساوي ثلاثة موزات ؛ ولكن هل بإمكانك أن تشرحي لنا طعم الموز و مذاقه . ضحك بعض الطلاب من ذلك السؤال فطلبت منهم السكوت و الهدوء و عدم الإجابة عليه . لكنني حينها وقفت مصدومة من هذا السؤال و شعرت بمرارة ولدت في حلقي لكنني بسرعة أجبته مع ابتسامة قائلة له : لست وحدك ياتامر ..فكثير منا لا يعرف طعمه و لا مذاقه هههه لا بد أن يكون طعمه لذيذا و طيبا . حينها جلس تامر في مقعده رأيته مبتسما و كأنه أزال حملا ثقيلا عن كاهله .تجاوزت الموضوع بسرعة و انتقلت إلى فقرة أخرى و من ثم إلى مادة أخرى . انتهى الدوام المسائي للمدرسة و عدت إلى البيت ولم أستطع النوم تلك الليلة لأن عقلي لم يفارق سؤال و حال ذاك الطفل تامر ... في الصباح فكرت أن أعيد درس الجمع الذي أعطيته البارحة مع بعض وسائل للإيضاح . فقررت قبل توجهي إلى المدرسة أن أذهب إلى السوق و أشتري كمية كافية من الموز اللبناني الصغير الحجم مهما كان ثمنه لا يهم ؛ لأوزعه على طلاب صفي كأمثلة نموذجية تفي بالغرض المراد إيصاله لهم ، حتى لا يشعر أحد من هؤلاء الطلاب بالحرج أو عدم الفهم و أن أخصص جزء منه أيضا لتامر ... الغريب بالأمر ... بعد دقائق من الإنتهاء من درس الرياضيات طلبت من طلابي أن يأكلوا الموز رأيت جميع الأطفال قد باشروا بأكل الموز إلا تامر . تقدمت نحوه وجلست بجانبه على المقعد وهمست بأذنه قائلة : لم لم تأكل موزتك يا تامر ؟... أجابني هامسا هو أيضا قائلا : خبأتها في محفظتي المدرسية كي يتعرف إخوتي الصغار على مذاقها أيضا عندما أعود بها إلى البيت ... هنا لم أتمالك نفسي عانقته و بكيت بشدة ثم شكرته على نبله و أخلاقه الرفيعة ، ثم أكملت ما تبقى من الحصة الدراسية . وعندما هم الطلاب بالانصراف طلبت من تامر أن يبقى معي قليلا حتى يغادر جميع الطلاب من الصف . ناديته للاقتراب مني ... وقف أمامي خجولا أمسكت بذقنه و رفعتها نحو الأعلى رأيت براءة وجهه قبلته و مسحت على رأسه ثم أمسكت بكيس الموز والحمد لله قد بقي الكثير فيه ، وطلبت منه أن يأخذه معه إلى البيت . في البداية رفض أن يأخذه ، و لكن تحت إصرار شديد مني في النهاية قبل و لكن بشرط .. قائلا لي : أنا أيضا لم أرك يا آنستي تأكلين الموز مع رفاقي ، أثناء ذلك رأيته يمد يده داخل محفظته و يخرج موزته ثم أتبع قائلا : فإذا أكلت معي الآن ولو نصف موزتي سأوافق على أخذ كيس الموز منك لأعطيه لإخوتي في المنزل . قبل أن أباشر بأكل الموز مع تامر قلت في نفسي : يا إلهي من أين جاء هذا الطفل بكل هذه الأخلاق الحميدة. ــــــــــــــــــــ🌱❥ــــــــــــــــــــ