✍🏻خَطَرَات: حمود القيسي.
✍🏻خَطَرَات: حمود القيسي.
June 19, 2025 at 02:51 PM
خطبة قصيرة بعنوان: ذكر الله تعالى. إعداد: حمود القيسي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الخطبة الأولى الحمد لله الذي جعل ذكره حياةً للقلوب، ونورًا للصدور، وراحةً للنفوس، وقوةً للأبدان، أحمده حمد الذاكرين، وأثني عليه ثناء الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بذكره ووعد عليه الأجر العظيم، فقال عزّ من قائل: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد الذاكرين، وإمام الشاكرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد، عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله عز وجل، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]. عباد الله: حديثنا اليوم عن عبادة من أعظم العبادات، وعن عمل من أيسر الأعمال وأحبّها إلى الله، عملٍ لا يحتاج إلى طهارة، ولا إلى استقبال قبلة، ولا إلى جهد ولا مال، ولكنه يُثمر الخير في الدنيا، ويرفع الدرجات في الآخرة، ويشرح الصدور، ويطرد الشيطان، ويجلب الرضا والسكينة، إنه ذكر الله جلّ جلاله. يقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42]. وبقول جلّ شأنه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. قال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب:(الذكر يُعطي الذاكر قوةً حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدتُ من قوة الشيخ ابن تيمية في مشيه وكلامه وإقدامه وكتابه أمرًا عجيبًا، فكان يقول: "هذه غدوتي، ولو لم أتغدّ الغداء سقطت قوتي"). عباد الله: الذكر رأس المال، من فقده فقد الخير كلّه، ومن أكثر منه فهو إلى النجاة أقرب. يقول نبينا ﷺ: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» رواه البخاري، ومسلم. ويقول ﷺ: «سبق المفرِّدون» قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات». رواه مسلم وما أعظم هذه الآية: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾! قال الإمام ابن عباس رضي الله عنهما: "لم يفرض الله فريضةً إلا جعل لها حدًا معلومًا، وترك ذكره بلا حد، فقال: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ ليكون العبد ذاكرًا لله في كل أحواله". تفسير الطبري وقال مجاهد رحمه الله: "لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكره قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا". نعم أيها المؤمنون: عباد الله، إن من أعظم ما يُبين فضل الذكر، أن الله جعله سببًا في النجاة من النار، قال ﷺ: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يومٍ مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك». رواه البخاري، ومسلم. وقال ﷺ: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» — رواه البخاري، ومسلم. فأيّ فضلٍ بعد هذا الفضل؟! وأيّ فوزٍ أعظم من أن تثقل موازينك بكلمات يسيرات؟! أيها المسلمون: كذلك من فضل الذكر أنه يكون حرزا للعبد من الشيطان، ونجاة له من الغفلة، وسببا في رضا المولى تبارك وتعالى. يقول ربنا في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم». رواه البخاري، ومسلم. يقول أحد السلف : "الذكر قوتُ القلوب، كما أن الطعام قوت الأبدان، فإذا فقد القلب الذكر صار كالميت". ويقول الحسن البصري عليه رحمة الله: "تفقدوا الحلاوة في ثلاثة: في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم، فاحمدوا الله، وإن لم تجدوا فاعلموا أن الباب مغلق" مدارج السالكين. عباد الله: اعلموا أن للذكر ثمرةً عاجلة، وثمرة آجلة: أما العاجلة: فهي راحة القلب، وانشراح الصدر، وقوة الإيمان، وطرد الوساوس والهموم. وأما الآجلة: فهي دخول الجنة، ونيل رضا الله، والثواب العظيم. وقد روى الطبراني بسند حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «ما عمل آدميٌّ عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله». عباد الله، وأعظم الذكر: قراءة القرآن، فهو كلام الله، والذاكر به يضاعف له الأجر أضعافًا كثيرة. كذلك التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. كذلك الاستغفار، فإن المستغفر لا يزال في خيرٍ ما دام لسانه رطبًا بذكر الله. كذلك الدعاء والابتهال والتضرع والمسكنة لله عز وجل. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الإمام أبي الدرداء: "إن الذين لا يزال لسان أحدهم رطبًا من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون". فيا عبد الله: لا تغفل عن ذكر الله في خلواتك، فإنك حين تنفرد، فإن ربك لا يغيب. ولا تملّ من الذكر، فإنه مفتاح كل خير. قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَـٰنًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: 36]. فاحذروا الغفلة عباد الله، وكونوا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات: يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: "الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟" الوابل الصيب فياعباد الله، أكثروا من ذكر الله تعالى... سبّحوه بكرةً وأصيلا، اذكروه قيامًا وقعودًا، وعلى جنوبكم، اذكروه في الليل والنهار، في السراء والضراء، في الشدة والرخاء، في الفقر والغنى، فب الصغر وفي الكبر، وفي كل حال،وفي كل مكان، وفي كل زمان، ولا تزال لسانك رطبة بذكر الله حتى تلقاه سبحانه وتعالى. اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرًا، ومن المنيبين إليك، اللهم لا تجعلنا من الغافلين، ولا من المطرودين، واجعل ألسنتنا رطبةً بذكرك، وقلوبنا عامرةً بطاعتك. أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولوالديّ ووالديكم، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب القرب، وجعل لهم من ذكره مفاتيح كل خير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو أهل التقوى وأهل المغفرة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من ذكر الله، وأقربهم إليه منزلة. اللهم صلّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد، عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصّرة الخاطئة بتقوى الله جل وعلا، فإنها خير ما يتزوّد به العبد، وإن من أعظم ثمار التقوى: دوام الذكر لله تعالى. أيها المؤمنون: في زمنٍ كثرت فيه الفتن، وازدحمت القلوب بالهموم، وتكاثرت الشواغل والمشاغل، وضاقت النفوس، وتكدر العيش، نحتاج إلى دواءٍ ناجع، وشفاءٍ عاجل، وبلسمٍ عميق، نحتاج إلى ما يطمئن القلب، ويجلو الغم، ويقوّي الإيمان، إنه ذكر الله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: ﴿وَمَن أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [طه: 124]. فسبب الضيق والقلق هو الغفلة عن الذكر. وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: 28]. يقول الإمام الشنقيطي في أضواء البيان: "في هذه الآية دليلٌ صريح على أن الطمأنينة والراحة الحقيقية لا تُنال إلا بذكر الله، لا بالأموال، ولا بالجاه، ولا بالمناصب". نعم عباد الله: فالذكر ليس فقط بالتسبيح والتهليل، بل هو أوسع من ذلك، فيدخل فيه: ذكر القلب بالتفكّر في عظمة الله. ذكر اللسان بقراءة القرآن والدعاء. ذكر الجوارح بطاعة الله والبعد عن معصيته. يقول ابن القيم رحمه الله: "الذكر يُدخل العبد في حصن الله الحصين، فمن دخله كان آمنًا من الشيطان" ويقول ﷺ في الحديث العظيم: «إن لله ملائكةً سيّاحين، يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادوا: هلمّوا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا...» رواه البخاري، ومسلم فتأمل يا عبد الله! إنك حين تذكر الله، فإنك في مجلس تحفّه الملائكة، ويُذكر فيه اسمك في السماء! عبادالله، إن للذكر شأن عظيم في إصلاح القلوب، فإن القلب إذا نسي الله، امتلأ بغيره: امتلأ بالوساوس، والأوهام، والشهوات، والشكوك إلى غير ذلك من أمراض القلوب. قال بعض السلف: "القلب كالمخزن، واللسان بابُه، فإذا طاب المخزن طاب الخارج منه، وإذا فسد فسد الخارج" وقال ابن تيمية شيخ الإسلام عليه رحمة الله: "الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فترك الذكر موتٌ للقلب، كما أن ترك الطعام موتٌ للبدن" عباد الله، لنقف مع نموذجٍ عظيم من نماذج التربية والتزكية العلمية والتطبيقية مع نبينا صلى الله عليه وسلم: كان ﷺ إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة، واشتدّ ذكره لله. وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: «اللهم باسمك أموت وأحيا» رواه البخاري. وكان يقوم من نومه فيقول: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» رواه البخاري. وكان يعلّم أصحابه أذكارًا في كل حالهم: عند الطعام: «بسم الله» عند الفراغ منه: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا...» عند الدخول والخروج، وعند لبس الثوب، وركوب الدابة، والسفر، والرجوع، والنظر في المرآة، والسماع، والرؤية، وغيرها من المواضع الكثيرة التي تجعل حياة الإنسان كلها ذكر لله عزّ وجل. فكانت حياتهم كلها ذكرًا لله! سؤال وكلّ منا يجاوب في نفسه عن نفسه: هل تجد لذة في قلبك عند الذكر؟ هل تجد خشية؟ هل تجد قرب من الله؟ هل تجد خشوع وخضوع؟ هل تجد راحة الروح، وسلوة الخاطر؟ إن لم تجد كل ذلك، فابكِ على نفسك، وحاسبها، وأعد تصحيح المسار. قال أبو سليمان الداراني: "إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا ورأيت فيه نعمة لله وذكرًا له". وقال شيخ الإسلام: "إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها، لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة الذكر والإيمان والأنس بالله" ووصيتي لنفسي ولإخوتي أن نجعل لنا وردًا يوميًا من الذكر. وأن راقب ألسنتنا في المجالس، ليكن لنا حظ من التهليل والتكبير والتسبيح ومدارسة العلم وبثه بين الناس والتذكير... الخ يارعاك الله، رطّب لسانك، تكن ممن يُحبهم الله. واستمسك بوصية نبيك صلى الله عليه وسلم:«لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» رواه الترمذي. نسأل الله أن يجعلنا من عباده الذاكرين، الشاكرين، المنيبين، وأن يملأ قلوبنا بحبه، وألسنتنا بحمده، وأيامنا بطاعته. اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]. اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل كلمتك العلياء إلى يوم الدين، اللهمَّ عنا البلاء والغلاء والفتن وسوء المحن ماظهر منها وما بطن، وانصر عبادك الموحدين المستضعفين في كل مكان وزمان يارب العالمين. وصلّ اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
❤️ 1

Comments