
🌷 مجالس رمضان الإيمانية 🌷
June 4, 2025 at 02:38 PM
االحمد لله.. وبعد،
سأذكر في هذه السطور جملة من الأمور المختصرة المعينة بإذن الله على الانتفاع بيوم عرفة:
أولًا: تحديد الهدف الرئيسي من هذا اليوم؛ والذي يدور فيما أفهم حول ثلاثة أمور رئيسة:
01- العتق من النار:
وهو باب يغفل عنه كثير من الناس لاشتهار أمر الدعاء والصيام عنه وانصراف الأذهان إليهما، وأصل العتق حديث مسلم المشهور عن أم عبد الله عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة.
وثمة مسألة هاهنا: هل العتق خاص بأهل الموقف - أعني عرفات - أم للناس كافة؟
ألمح ابن رجب - رحمه الله - إلى عموم العتق وتصور وقوعه لغير حاج .. وعمومًا لعل هذا من الفقه الحسن.
فاجعل غاية المغفرة والعتق هذه نصب عينيك من بزوغ فجر ذاك اليوم العظيم.
وطريق تحصيل العتق فيما أفهم: الاجتهاد والعمل الصالح بأنواعه والإخلاص ورجاء ما عند الله وحسن الظن به والإلحاح في الدعاء.
02- تكفير سنة ماضية وأخرى قابلة:
وأصله حديث مسلم النيسابوري المشتهر: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده .. قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عرفة.
وطريق هذا التكفير: الصيام؛ صيام القلب والجوارح، ومن ثم كان اجتهاد المرء في تجويد صيامه باجتناب المحرمات ظاهرًا وباطنًا والإتيان بالواجبات والمستحبات أثناء صومه وتجديد توبته= من طرائق تحصيل هذه المغفرة
03- تحقيق الحاجات وتفريج الكربات:
والحاجات هنا ثلاث:
* دين
* دنيا
* آخرة
وأصل ذلك في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي .. خرجه مسلم الإمام.
وطريق ذلك الإلحاح في الدعاء .. وسأفرد ذلك بمزيد بيان.
حسنًا، هاته أهداف ثلاثة واضحة الملامح تنطلق من خلالها في استقبال اليوم وتدندن حولها في ثناياه.
سأتعرض الآن للسبل المرجوة لتحصيل تلكم الغايات.
*****
ثانيًا: لعل من أعظم ما يعين المرء على بلوغ هذه الأسباب والثمرات العلية= استقبال يومه بالتوبة النصوح؛ وهنا مسائل:
01- نصوص المغفرة الواردة في نصوص التكفير بالصيام منوطة بصغائر الذنوب دون كبائرها، وهذا مذهب جماهير أهل السنة، وثمرة هذا أن تستقبل يومك بتوبة خاصة تجعلها لعموم عمرك الذي مضى من سائر الذنوب وهذا من معاني تعميم التوبة التي يحث عليها السلف.
02- كما أن العمل لا يحبطه إلا الشرك، فإن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة، وعليه جمهور السلف.
03-أحد أعظم ثمرات التوبة في موقفنا هذا= الخروج من دائرة الحرمان الملازم للمعصية؛ فالمعصية أحد أعظم أسباب الخذلان وحرمان التوفيق.
04- احذر الإصرار ودخول هذا اليوم بذنب خفي لم تتب منه، أو آخر تعزم العودة إليه بعد انقضاء اليوم.
*****
ثالثًا:الدعاء! وهو أحد أعظم أعمال اليوم.
وإقرانه هنا بالتذلل والإنكسار= أرجى مداخلك إلى الله في هذا اليوم.
والشريعة جاءت في هذا اليوم بإفراد الدعاء بمزية خاصة للحاج وغيره، وأمر ذلك مشتهر متواتر.
ومداره كما ذكرت أعلاه: الدين والدنيا والآخرة.
وآدابه مستفيضة اشتهارًا من طهارة ووضوء واستقبال قبلة وحضور قلب وبداءة بحمد الله والصلاة على رسوله والتماس الوارد والأثر، وفي مسح الوجه بعد الدعاء خلاف سائغ مشهور.
وأنفع الدعاء وأعلاه ثمرة ما كان بخشوع وانكسار وحضور قلب؛ والناظر في كلام العارفين وأهل السلوك يجد أن ثمة جامعًا مشتركًا في مسألة الدعاء مرده إلى انكسار القلب تذللًا في محراب الدعاء والمبالغة في الثناء والإتيان بالمحامد لله عز وجل والاستكثار من استحضار أسماء الله وصفاته تمهيدًا للطلب من الله عز وجل.
والذي أعتقده أنه على قدر استفتاح المرء بحمد الله ومناجاته وإظهار المسكنة والفرج= يتحصل التوفيق في الدعاء؛ بخلاف من يدعو مباشرة بالسؤال والطلب.
وعمومًا الله كريم لا يرد من سأله ولو كان لا يحسن البيان؛ بل الأهم القلب وحضوره؛ فهذا موضع تكون العجمة فيه عجمة القلب لا عجمة اللغة والبيان.
وما إخال إذا ذّكر الدعاء أن أحتاج لتذكير نفسي وإياكم بتخصيص أهلنا المكروبين وإخواننا المجابهين لأعداء الله بالدعاء الصادق.
وبعيدًا عن الخلاف الفقهي، من بديع ما يذكره جماهير الفقهاء المبيحون لمسح الوجه بعد الدعاء أنهم يستأنسون بمعنى رقيق حذاء الأدلة الأثرية؛ وهو أن الله عز وجل أكرم من أن يرد يد عبد امتدت إليه بالمسألة، فلما كان الوجه أشرف أعضاء الجسد، استحبوا له أن يُمسح بتلك اليد التي رُفعت لله عز وجل فأصابها شيء من رحمته.
*****
رابعًا: الذكر، وفيها مسائل:
الذي أفهمه من ظاهر كلام الأئمة أن القرآن أعلى الذكر وأفضله بإطلاق سواء يوم عرفة أو غيره وأن هذا لا يتعارض مع ما ورد من أذكار مخصوصة بيوم عرفة.
وعن مجاهد أنه سُئل عن قراءة القرآن أهي أفضل يوم عرفة أم الذكر، فقال: لا بل قراءة القرآن.
وقد يحتمل أن الانشغال بالذكر أولى في المأثور بوقت أو حال معين كما نبه عليه النووي بعد حكاية تفضيل قراءة القرآن كأصل عام.
وعمومًا لعل الجمع بين القرآن والذكر هو أقوم الطرق.
ومن الذكر ذلك اليوم: التكبير المطلق والمقيد بأدبار الصلوات من فجر يوم عرفة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وفيه دعاء يوم عرفة: خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
وفيه الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وفيه سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
وفيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
كذا أذكار الصباح والمساء والصلوات والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار وعموم الذكر، وكل ذكر يُتعبد اللهٓ به.
*****
خامسًا: العمل الصالح كافة:
وأعظمه التوحيد ومقتضياته من ولاء وبراءة وموالاة للمستضعفين وتوليهم ونصرتهم بكل سبيل ممكن والبراءة من الظلم وإنكار القلب للجور، ثم الصلوات والجماعات وأخص قيام الليلتين؛ ليلة عرفة التي تسبق يومها ثم ليلة العيد التي تلي عرفة وكذا صلاة العشاء في جماعة في الليلة التي عرفة ثم صلاة الجماعة سائر يوم عرفة مع المحافظةوعلى تكبيرة الأحرام والسنن الرواتب والضحى
ومن جملة العمل كذلك، الصدقة والبر والصلة والإحسان إلى الخلائق، وكل عمل صالح .. وركائز العمل ومبانيه تدور حول محورين:
- إخلاص الدين لله وإرادة وجه الله عز وجل بالعمل.
- متابعة النبي صلى الله عليه وسلم والتماس طرائقه وسننه في كل عمل.
وأصل ذلك كله: العلم.
ومن أعظم العمل كما لا يخفى عليكم؛ عمل القلب من انكسار لله عز وجل واستحضار الإنسان فجراته وغدراته وانكساره بها بين يدي ربه، ثم سلامة قلبه من الحقد والحسد، ثم سلامة قلبه للمسلمين واشتهاء الخير لهم.
وكذا استحضار حسن الظن بالله ورجاء رحمته ومعاني التوكل واليقين والاستبشار بالله والرضا به.
تلك جملة من الغايات العلية والأسباب والطرائق المفضية إليها وقد عجزت عن الإحاطة بها فضلًا عن جهلي بكثيرها، عسى أن ينفع بقليلها هذا على ما فيها من تقصير.
هداني الله وإياكم لخير يومنا هذا وجعلنا من المقبولين، وجعله يوم فرج وتمكين لعباده المستضعفين ورفع عن أهلنا الكرب والغمة .. آمين آمين
والحمد لله رب العالمين.
م أحمد سيف
👍
1