
قَطُوفٌ | مُحَمَّدツ
June 8, 2025 at 02:45 PM
لا أخفيكم سرًا أن عيدَ الأضحى أحبُّ إلى قلبي من عيد الفطر، وهذا منذ نعومة أظفاري. فعيد الفطر، وإن كان عيدًا مباركًا، إلا أن فرحته تأتي بعد ألم فراق رمضان، فيمتزج الفرح بشيءٍ من الحزن، وشيءٍ من الشوق.
ولا شكّ أننا نفرح بالعيدين، ونعظّمهما، ونُحبّ ما فيهما من البهجة والسرور وصلة الأرحام.
لكن الذي زادني حُبًّا لعيد الأضحى، وقرّبه إلى قلبي أكثر، هو صوت التكبير الذي يعلو المساجد بعد الصلوات، فيمتدّ في أيام العيد كلّها.
أتذكّر أنني في صغري كنتُ أحرص على صلاة الجماعة في عيد الأضحى حبًّا في سماع التكبير بعد الصلوات.
فما أهيب هذا التكبير، وما أعظمه!
يملأ القلب تعظيمًا، ويغمر الروح بمعاني التوحيد والثناء لربّ العالمين.
وما أبهى هذا الدين، إذ لا يرضى للمسلم أن يفرح وحده، بل يدعوه ليشرك إخوانه في البهجة، ويجعل من الفرح طاعة، ومن التكبير إعلانًا لتمام شعيرة الإسلام، وتعظيمًا للركن الأعظم من الدين.
وقد وصف الرافعي رحمه الله التكبير في العيد فقال:
“لو ارتدّ إليّ السمع، لن يطربني شيء من النشيد،
ما كان يطربني في صدر أيامي هو نشيد الناس في المساجد صبيحة يوم العيد:
الله أكبر، الله أكبر!
يعجّ بها المسجد، ويضجّ الناس.
ليت شعري، هل يسمع الناس هذا التكبير إلا كما يسمعون الكلام؟
الله أكبر !
أما إنه لو عقل معناها كل من قالها أو سمع بها، لاستقامت الحياة على وجهها، ولم يضلّ أحد.”
وبهذه المناسبة، أُحب أن أنوّه:
التكبير الجماعي في العيد ليس بدعة، ولا يُقاس على الذكر الجماعي، فحكمه يختلف، وقد نُقل عن السلف ما يدل على مشروعيته وفضله.
فالمستحبّ في تكبيرات العيد أن يُجهر بها، ويُرفع الصوت بها، فقد كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيُكبّران ويكبّر الناس بتكبيرهما.
وكان عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيّب، وأبو بكر بن عبدالرحمن، يكبّرون ليلة العيد في المسجد، ويجهرون بالتكبير، فيُكبّر الناس معهم، وكثيرٌ من الصحابة والتابعين فعلوا ذلك.
وصيغ التكبير واردةٌ بعدة ألفاظ، ومن أشهر ما اشتهر به أهل مصر والشام زيادتهم:
“الله أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً،
لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيّاه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون،
لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده،
لا إله إلا الله، والله أكبر.”
وقد ورد ذلك عن الشافعي، واستحبّه، وقال الصنعاني: “حَسُنَت الزيادة عند كثيرٍ من الأمة”، وما ذلك إلا لِما فيه من التوسعة، وموافقة إطلاق الآية الكريمة.
بل إن زيادة الصلاة على النبي ﷺ في التكبير قد استُحسنت عند عدد من أهل العلم، وجرى بها عمل الناس، عملاً بقوله تعالى: “ورفعنا لك ذكرك.”
فالعيد موسم فرحٍ وبهجة، لا لشيءٍ دنيوي، بل لاجتماع الناس على الطاعة، والتواصل، والتراحم، والتوادّ، فلا تفرّق بينهم بعادة تخالف جماعتهم، ولا تُنكِر عليهم صيغة اعتادوها ما دامت داخلةً في سعة الأمر.
كبِّر مع الناس… كبِّر بالصِّيغة المعروفة في بلدك، ولا تُخالِف اجتماع المسلمين، فإني أخشى عليك أن تكون أنت المبتدع بمخالفة اجماع المسلمين في بلدك.
❤️
8