عالم إدارة الأعمال والمحاسبة 🥇
عالم إدارة الأعمال والمحاسبة 🥇
May 25, 2025 at 10:21 PM
الفقه الأخلاقي وأزمة إعلان اتصالات مصر: قراءة فلسفية في خطاب السوق وضوابط القيم بقلم د/ محمد عبد الحميد عطية ـــــ من السوق إلى الأخلاق عندما يتحوّل السوق من ساحة تبادل المنافع إلى ساحة صراع الهويات، وتتحول الإعلانات من أدوات تعريف وتسويق إلى أدوات استعراض واستفزاز، فإننا نكون بحاجة ماسّة إلى فقه أخلاقي يضبط هذا الانفلات القيمي، ويعيد ترتيب العلاقة بين المال، والكلمة، والكرامة. الإعلان ليس مجرد فن تجاري، بل هو خطاب اجتماعي وأداة تشكيل للذوق العام. وإذا كانت الفلسفة الأخلاقية تشتغل على سؤال الخير والشر، فإن الفقه الأخلاقي الإسلامي يضيف إلى هذا السؤال بعدًا تعبديًا، يجعل من السلوك الإعلاني مسؤولية أمام الله، لا مجرد تقنية تسويقية أمام السوق. وفي هذا الإطار، جاءت الأزمة الأخيرة المرتبطة بإعلان شركة “اتصالات مصر”، الذي حمل إيحاءات ساخرة اعتُبرت من جماهير نادٍ مصري عريق (الزمالك) إساءةً مباشرة، لتفتح بابًا عميقًا للحديث عن حدود الحريّة الإعلامية في ضوء القيم، وعن وظيفة الإعلان في حضارة تجعل من الكلمة مسؤولية. ⸻ أولًا: الفقه الأخلاقي.. من الضمير إلى التشريع: الفقه الأخلاقي في الإسلام لا يكتفي بإصدار أحكام الحلال والحرام، بل يتجاوزها إلى تربية الضمير، وصناعة السلوك النبيل، وضبط النوايا قبل الأفعال. يقول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وهذه قاعدة عظيمة تؤسس لفقه الكلمة ومهارة التعبير واحترام الآخر، في كل مقام، بما في ذلك المقام الإعلامي والإعلاني. ويقول النبي ﷺ: “إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم” [رواه البخاري ومسلم] وهذا الحديث يُرعب القلم الصادق، ويضع على لسان الإعلامي والإعلاني ثقل الأمانة الأخلاقية في كل ما يُبَث. فالفقه الأخلاقي لا يكتفي بمراعاة “ما يحق لي قوله”، بل يسأل: “هل يليق بي قوله؟ وهل يُصلح مجتمعي؟ وهل يُرضي ربي؟” ⸻ ثانيًا: الإعلان بوصفه فعلًا أخلاقيًا: الإعلان ليس حياديًا. بل هو فعل لغوي محمّل بالقيم والرسائل. وقد يُلهم أو يُهين، يُربّي أو يُدمّر. ولهذا يحتاج إلى مرجعية قيمية أعلى من السوق. وفي ضوء الشريعة، هناك عدة ضوابط حاكمة لأي محتوى إعلاني: 1. الصدق والشفافية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] الإعلانات الكاذبة، أو تلك التي تُخفي الحقائق وتضخم الواقع، هي مخالفة أخلاقية قبل أن تكون مخالفة مهنية. 2. عدم السخرية والاستهزاء بالآخرين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ} [الحجرات: 11] الإعلان الذي يقوم على إضحاك البعض عبر إهانة الآخر، يخالف مقاصد الإسلام في تكريم الإنسان، بل ويُعيد إنتاج العصبيات والانقسامات. 3. نشر روح السلم والتكافل الاجتماعي: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فكل إعلان يجب أن يراعي ألا يكون أداة لزرع الشقاق أو تأجيج التعصب أو الاستعلاء الطبقي أو الطعن في الانتماءات الجماعية. 4. الذوق العام ومقامات الأدب: قال ﷺ: “ليس المؤمنُ بطعّانٍ، ولا لعّانٍ، ولا فاحشٍ، ولا بذيء” [رواه الترمذي وصححه الألباني] الإعلان الفج، أو السوقي، أو المبتذل في كلماته، يُنقص من الذوق، ويُرَبّي الأجيال على الرعونة في القول. ⸻ ثالثًا: الأزمة الأخيرة… الدرس الأخلاقي في إعلان اتصالات: الإعلان الأخير لاتصالات مصر - رغم ما فيه من جودة إنتاجية ومهارات فنية - أوقع نفسه في فخ التجاوز الأخلاقي، حين تحوّل إلى ما يشبه “الهجوم غير المباشر” على فئة جماهيرية كبيرة (جمهور نادي الزمالك)، بإشارات لم تكن بريئة في سياق منافسة رياضية يُفترض أن تكون شريفة. وهنا يتجلّى الخلل: فبدل أن يكون الإعلان مساحة للوحدة والفرح المشترك، تحوّل إلى مادة انقسام واستفزاز وسخرية. وبالرجوع إلى الفقه الأخلاقي، نجد أن الإعلان بذلك خالف: • أدب الكلمة الطيبة التي تشبه “شجرة طيبة”، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً…} [إبراهيم: 24] • وفضيلة التسامح والعدل مع المخالف، كما في قول الله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [المائدة: 8] ⸻ رابعًا: ما المطلوب؟ نحو خطاب إعلامي راشد: إذا أردنا ترشيد المجال الإعلامي، فعلينا: 1. تدريس الفقه الأخلاقي للعاملين في الإعلام والإعلان، لا كمادة نظرية، بل كأخلاقيات مهنة. 2. وضع ميثاق شرف إعلامي مستمد من الشريعة، يتضمن ضوابط المحتوى المقبول شرعًا ومجتمعيًا. 3. إشراك علماء الشريعة والاجتماع في مراجعة الحملات الإعلانية الكبرى. 4. محاسبة الجهات التي تتجاوز الأخلاقيات باسم الحرية، فالحرية لا تُبيح الإهانة. ⸻ خاتمة: الإعلان مسؤولية لا لهو: الإعلام لا يبني فقط صورة المنتج، بل يبني صورة المجتمع أيضًا. وإذا لم يكن الإعلان في حضارة القرآن أداةً للخير والذوق والصدق، فإنه سيتحول إلى سلاح عبثي يهدم القيم من الداخل. يقول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] فالكلمة - في ميزان الإسلام - فعل، والفعل مسؤولية، والمسؤولية أمانة. وختامًا، ليس المطلوب أن تكون الإعلانات دينية، ولكن أن تكون إنسانية، عادلة، رفيعة… وهذا كافٍ ليجعلها إسلامية في جوهرها، وإن لم تنطق بآية أو حديث. ****** وإني – وإن كنت من جماهير النادي الأهلي، وممن يفخرون بتاريخه الرياضي والوطني – إلا أنني لا أجد في هذا الإعلان ما يُعبر عن الروح التي نتمناها لهذا الكيان العظيم. فالأهلي الذي أنتمي إليه، لا ينتصر بالسخرية، ولا يتفوق بالإهانة، بل بالميدان والخلق والبطولة. ولا يليق بمن يرفع شعار “الأهلي فوق الجميع” أن يجعل من الإعلان أداة للتقليل من أحد، أو مبررًا لشق صف الوطن. إن الانتماء الصادق لا يعني التصفيق الأعمى، بل النصح، والتقويم، والحرص على أن يبقى ما نحبه نقيًّا من كل انحراف عن جادة الأخلاق. فليست المشكلة في المنافسة، بل في طريقتها؛ وليست الأزمة في الفوز أو الخسارة، بل في كيف نُعبّر عن أنفسنا ونحن نحمل أسماءً نحبها، وأندية نعتز بها، ووطنًا يجمعنا جميعًا.
Image from عالم إدارة الأعمال والمحاسبة 🥇: الفقه الأخلاقي وأزمة إعلان اتصالات مصر: قراءة فلسفية في خطاب السوق وضو...
❤️ 1

Comments