نصائح وحِكم ♥️
June 4, 2025 at 06:46 PM
📜 مقامةُ يومِ عرفة: في مقامِ القُرب والرجاء
حدّثنا زاهدُ الحيّ، وكان من أرباب البصائر لا الأبصار، فقال: دخلتُ خلوتي يومَ التروية، وإذا بصوتٍ في داخلي يهمس كصدى السماء، فهرعتُ إلى شيخي، وكان من أهل الكشف والمقام، فقلت له:
يا سيدي، غدًا يومُ عرفة، أفأعددتَ قلبك؟
فأطرق، ثم قال: بل أنت، يا بنيّ، هل أعددتَ قلبك؟ فإنّ القلب هو الراحلة، ويوم عرفة مسيرٌ إلى الحضرة.
فقلت: يا شيخي، لو كانت القلوب تُغسل كما تُغسل الأيدي، لغسلتُ قلبي سبعًا، إحداهنّ باليقين.
قال: فاغسله بالصيام، صمه إيمانًا واحتسابًا، فإنك ما صمته إلا لتطهّر ما فات، وترجو ما هو آت، فإن الله يجودُ على من أقبل، ولو بمسحةِ عَين.
قلت: أأصومه خوفًا من ذنوبي؟
قال: بل صمه توبةً، فإن التائبين أحبُّ إلى الله من السابقين بلا وجع، واذكر أنك عبدٌ لا مَلَك، يكفيك من الكمال أن تُقبَل.
قلت: أأصومه رجاء رفعة؟
قال: صمه وقل: اللهم اجعل صيامه رفعةً في درجاتي، وتكفيرًا لسيئاتي، وسببًا لقربك ورضاك، فما من عبدٍ صفّى قلبه إلا قرّبه ربه زلفى.
قلت: ولكن خوفي من تقصيري كثير...
قال: صمه وأنت تحسن الظنّ بمولاك، فإن الظنّ الحسن بابُ الرجاء، وأنت عند ظنّك به، فاجعل ظنّك جميلًا كما هو أهلٌ له.
قلت: وفي قلبي شوق لنبيّنا ﷺ،
قال: فصمه اقتداءً به، عسى أن تُحشر في زمرته، وتسقى من حوضه، ويُقال: هذا محبٌّ صدق في دعواه، فصبر وصام كما صبر الحبيب.
قلت: أوينجيني يومٌ واحد من حرّ النيران؟
قال: صمه وأنت توقن أن الله يباعد بين العبد والنار سبعين خريفًا بصيام يوم، فكيف بمن صامه بقلبٍ مفطورٍ على محبّته؟
قلت: والفتن يا شيخي قد كثرت، والناس تتبدّل…
قال: صمه وأنت تسأله الثبات، لا أن يستبدلك، فإن المُبدَّلين ما صدقوا، وأما الصادقون فهم أهل الثبات والنقاء.
قلت: وإذا أفطرتُ، فبمَ أبدأ؟
قال: افتح قلبك، ففي ساعة الإفطار تفيض الرحمة، وتُفتح أبواب السماء، فاسأل ما شئت، فلعلّها دعوةٌ لا تُردّ.
قلت: فما جزاء من صام؟
قال: الصوم لله، وهو يجزي به… كمن يفيض بالعطاء كالبحر، إن رجا السائلُ الموج.
قلت: وإن عجزتُ عن الصيام؟
قال: يا بنيّ، من صدق عذره، فلا يُحرم، ومن أحيا يوم عرفة بالذكر والدعاء والرجاء، فله من الرحمة نصيب، ونيته تبلّغه مقام الصائمين، وربما سبقهم.
فبكيت، وقلت: يا شيخي، هذا يومُ القرب، فإن لم أُجَب فيه، فمتى؟ وإن لم أُقبَل فيه، فأين؟ وإن لم أُعتق فيه، فبأيّ باب أرجو ربي؟
فقال: يا بنيّ، إن لم تكن من العُتقاء في هذا اليوم، فلستَ من الهالكين، فإن رحمة الله سبقت غضبه، وما أعدّ عرفة إلا ليُقال فيه: غُفر لمن صام، وغُفر لمن تاب، وغُفر لمن رجاه بصدق.
✧ فصمْ، يا بني، صيام مَن أقبل لا مَن اعتاد، وادعُ بدعاء من عاد لا من ارتاد، وافتح القلب، فإنّ رحمة الله على ميعاد…
اللهم إنّا وقفنا ببابك في يومٍ عظّمتَه، وفي ساعةٍ شرّفتَها، فاجعلنا فيه من المقبولين، ومن العتقاء من النيران، ومن أهل الرحمة والغفران.
اللهم طهّر قلوبنا كما طهّرت الأرض بماء السماء، واغسل ذنوبنا كما تُنقّى الثياب البيضاء من الدنس، واجعل صيامنا لك خالصًا، وقيامنا لك شاهدًا، ورجاءنا بك عامرًا لا يخبو.
اللهم إنّا ضعفاءُ بين يديك، فاقبلنا، ومقصرون عن بلوغ رضاك، فأكرمنا، ولا تجعلنا ممن سمعوا النداء وأعرضوا، ولا ممن ذاقوا القرب ثم تولّوا.
اللهم اجعل هذا اليوم شفاءً لقلوبنا، وجبرًا لخواطرنا، وتوبةً نصوحًا، وعتقًا من سخطك، وبابًا إلى محبتك. اللهم ارزقنا الثبات بعده، وحُسن الختام عند لقائك، ومرافقة من تحب من عبادك في دار كرامتك.
وصَلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمدٍ، النبيّ الأميّ، الشافع المشفَّع، الرحمة المهداة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، عدد ما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون.
حسن بن خلف بن سعيد الريامي
الاربعاء ٨ذي الحجة ١٤٤٦هجرية
٤يونيو ٢٠٢٥م
❤️
♥️
🧡
4