_ سردَات البَتُـول .
_ سردَات البَتُـول .
May 25, 2025 at 07:02 PM
*مُصعب بن عمير* > حاضنُ لواء الإسلام تسبقُ خطواتهُ الرزينَة رائحتهُ الشاذية، تتلافتُ حوله الأنظار التي تحمل الانبهار في طيَّاتها، إنهُ غرّة فتيانِ قريش أكثرهم بهاءً و وسامةً، فتى والديهِ المُدلل الذي يعيشُ برفاهية و ترف لا يدركهُ فقرٌ، تنامى إلى سمعه ما انتشر في مكّة مؤخراً،الدين الذي جاء به محمد الأمين، يا ترى ما هذا الدين الذي تحاربه قريش بضراوة و لِم؟، هذا الدين الذي شعاره الأسمى "لا إله إلا الله" حضنَ الفضول قلب "مصعب" و ذهب يجول و يستدركُ عن هذا الدين،أصبح شغلَه و شاغله،إلى أن أدرك النور طريقاً لروح،لمحاياه،للسانه،و انطلقَ يثبُ الشوق أمامه إلى دار "الأرقم بن أبي الأرقم" حيث كان المسلمون يجتمعون سراً،ينيرُ رسول الله قلوبهم بآياتٍ تزدهم ثباتاً و يقيناً،لقيَ رسول الله و نطق الشهادة،من أقصى روحه بحلّة الصدق خرجتْ،فُرجت أساريره،أصبح مسلماً،إنها لفرحة غامرة تخفق في جوف مُصعب ! لم يهتم مصعب بالأذى الذي سيلحق به جراء إسلامه، و إن لأكثر ما يوجسُ في نفسه هو أمه ! "خُناس بنت مالك" التي كانت تجابهُ بقوتها و صلابتها الرجال، و لو وضع بطشُ قريش بكفة و سوطُ أمه بكفة لرجحة الكفة نحو أمه! لذلك انتقى الحلَّ الأسلسل و كتم إسلامه،لكن لقريشٍ أذيال تكاد تُوشي بكل خطوة على رمال الصحراء! أبصره "عثمان بن طلحة"و هو يفد لدار الأرقم و يقوم كما يفعل محمد فانطلق يجاري الريح و يُسارع كثبان الرمال نحو أمه ليوشي به، اعتلى الغضب كل شبرٍ منها،كأن هناك من دهسَ على ذيل ضعفها فهاجت لنيل ولدها كيف يعصي الآلهة ! و مع ذلك وقف مصعب أمام عشيرته و أهل مكة و أمه بكل ثبات، حين كان الخوف يأخذ منه جزءً و الإيمان أجزاءً، غلب إيمانه خوفه ،هكذا واجه مصعب و تلا القرآن ليثبت قلبه ،بقين شعشع من بؤبؤ عينيه، الإيمان سلاحٌ فتّاك يسلخُ الخوف من بين عينيه ! لم ينته الأذى بعد بل بدأ الآن،اجترّته أمه و حبسته،كان بلائه في والدته أعز الأشخاص إليه،فالبلاء يأتي بصور مؤلمة لنا و لكنّنا نختار الصبر و الجهاد حتى لو كان في وجه أهلنا و أقرب الناس لنا ! بقي مصعب حبيساً حتى سمع بهجرة بعض المؤمنين الذين استبدّت بهم الحال للحبشة فغافل أمه و انطلق نحو راية الدين،ترك كل شيء،خلفه و مضى لحياة النور التي لا يراها الظالمون،ترفهُ و نعمه كم هذا شيء جليل! إذا تركنا ملابسنا الثمينة و أدواتنا لسبب ديني و هاجرنا،نبكي و نتلوّى بفقدنا البسيط فما بالك ب صحابي كمصعب ترك ما لديه و لم يخرج بشيء ! حتى أنه خرج يوما على بعض المسلمين و هم جلوس حول الرسول، فما إن أبصروه حتى ترقرقتْ عيونهم شجاً و حَنوا رؤوسهم على حاله، لقد اعتادوا على رؤيته بمكةَ بأثمن الحلي،و أرقى الثياب،و أقوم صحة، و هاهو اليوم يسير بجلبابٍ بالي،و جسده الهزيل،لم يضحّي فقط بماله و عيشته،ضحّى بجوعه و ألمه و تعبه ما هذا الإيمان الشجي يا مصعب؟ ما هذا التجلد و الاصطبار في وجه المحن بقين لو زُلزِلَ لانهدّتِ الجبال و ما تحرك يقينك ساكناً،تألّقت على شفتي رسول الله ابتسامة جليلة لأجرٍ يراهُ لمصعب عظيماً، أبت أمه أن يأكل من طعامها إنسان هجر آلهتها،فبطشت به،و لكن حين عودته من الحبشة أردات أن تحبسه فتوعد لإن فعلت ليقتل كل شخص يعاونها في ذلك فتركته، و ظلت متسمّر على رآيها حتى حين لان قلبه و قال (يا أمَّه ،إني لك ناصح و عليك شفوق فاشهدي أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ) فأجابت بنبرة اعتلتها بغضب ( قسما بالثواقب لا أدخل في دينك  فيُزري برأيي و  يضعف عقلي) أكمل مصعب طريقه و تجاوز أمه،إن الإيمان أكبر من حبه لأي مخلوق،جعلهُ ذو نور بين الناس يملأ الأعين جلالاً، حين رأى رسول الله منه هذه القوة و التجلد، اختَاره لأعظم مهمةٍ قد يحملها أيُّ صاحِبي في ذلك الوقت! و هو أن يكون سفيراً إلى المدينة يفّقهُ الأنصار و يعدّها  ليوم الهجرة العظيم، أتدري؟ قد كان في أصحاب الرسول مَن هم أكبر سناً و أكثر وجاهةً،لكن كان شرف الوسام ل "مصعب الخير" كما كانوا يلقبونه فما لبث أن انطلق للمدينة و باتَ في أفئدة أهلها و أدخل الناس في الإسلام أفواجاً، ما هذا الأسلوب الذي خاطب به قلوب الناس برقة ليجعلهم يَفِدون أفواجاً في الدين؟ أيُّ لباقةٍ و حكمة و رزانة في الحوار يا مصعب ؟ أيُّ روحٍ هذه التي فيك،تفيض و تنير و تقود من حولها للنور ! عرف مصعب أنه داعية لله مبشراً لدينيه،فضمّ هذا الشرف في قلبه و سار به وسط الناس يدعو و يخاطب و يحاور. ذات يوم فاجأه و هو يعظُ الناس "أسيد بن خُضير" سيد بن عبد الأشهل، أتى إليه و النار تتطايرُ في مقلتيه،هائجاً للثأر ممن يدعو لغير آلهتِهم ! و ما إن رأى المسلمون قدومه بهذه الهيئة و كأن هناك من صبَّ حمماً عليه،حتى أوجسوا و وَجلوا لكنَّ مصعباً ظل ثابتاً،كوتدٍ في أرضٍ جدباء لا يخطُّها صرٌّ، و قف أسيد أمامه و الغضب يتسلل لكلماته : (ما جاء بكما إلى حيّنا،تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا،إذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة)! (يخاطب شخص آخر يدعو مع مصعب) قابله مُصعب كهدوء البحر و لألأتِه،كنسيمٍ يدري أين يصبُّ لسعتهُ،كخيط فجرٍ في ليلة حالكة،قال بوجهٍ بشوش (أولا تجلس فتستمع؟ فإن رضيت أمرنا قِبلتهُ...و إن كرهته كففنا عنك ما تكره) بكل حكمة و ذكاء حاوره مصعب،حكّم أسيد عقله و جلس ملقيا حربته جانباً، و ما كاد يقرأ مصعب القرآن و يفسر دعوة محمد حتى علا محيايا أسيد النور و أشرق فدخل الإسلام بقلب يفيضُ و يظمأ لحب الله، ثم تبعهُ "سعد بن معاذ" و "سعد بن عباءة" و عندما رأوا أهل المدينة إسلام كبارهم كَ أسيد و معاذ حتى انطلقوا يتوافدون لمصعب يبتغلون الإسلام نجح مصعب نجاحا باهراً منقطعَ النظير ،بمهارته الفطنة و حذاقته....و الأهم إيمانه و تمضي الأيام و تبدأ الغزوات و المعارك لحين معركة أحد ،و قد اختير مصعب لحمل الراية في تلك المعركة ،تشبُّ المعركة الرهيبة و يخالفُ الرماة أمر رسول الله و يغادرون مواقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون،  لكن هذا سرعان ما يحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة و يُفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل،و تعمل فيهم على حين غرة،سيوف تصافح السماء شاهرة نحوهم، وسط هذه الفوضى و الذعر ركّزت قريش على رسول الله لينالوا منه، أدرك مصعب هذا الخطر المُحيط برسول الله فأطلق زئيراً يهزّ دروعهم و انقضَّ يُصارع الريح نحوه،فداك بروحي يا رسول الله،كل ما يريده أن يشغل أنظارهم عن رسول الله ،انطلق بثقة و كأن جيشاً على أهبة القتال ورائه، يعانق الراية في السماء ،و يحارب بيدٍ أخرى يُشهر الحسام في أعناق الكفار،لكن يتكاثر الأعداء عليه يريدون قتله فيقطعون يده اليمنى بحد سيفٍ ،يقذف بالراية لليد اليسرى و هو بقينٍ يزلزل طغيان قريش كلها : "و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" ف حَنا عليه أحد الكفار و قدَّ يده اليسرى ! ضم اللواء بعضديه إلى صدره و هو يقول آية كأنها سلاحه الوحيد (و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) قطعتْ يديه فضم الراية بعضديه الباقيَين من يديه، تالله ليذرف الدمع من يقرأ لك يا مصعب الخير، أندقَّ الرمح الثالث بجيدهِ،فسقط مصعب و سقط اللواء... سقط سفير رسول الله الأول...سقط حلية الشهادة بعد ان استبسل روحه في هذه المعركة، و بعد انتهاء المعركة وجِد جثمان الشهيد الراقد بنوره،وجهه طُمر في التراب، لعله يوارِي خجله بعد أن ذهب دون أن يطمئن على رسول الله و نجاته ! عند جثمانه سالت الدموع الغزيزة و قطر الشجر معهم، مصعب الخير رحل،مبتور الذراعين،لا كفن له سوى عباءة رسول الله التي كانت تغطي وجه و لا تنسدل لقدميه لقصرها ! وقف رسول الله عنده،أحاط الحزن فؤاده الرقيق،نظرة ل مصعب الخير الذي عاش بطل و مات شهيداً يتلو : (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) و نعاه رسول الله بشجيّ يقطر شوقاً : (قد رأيتك بمكة،و ما بها أرقّ حلّة و لا أحسن لمّة منك،ثم ها أنت شعث الرأس في بُردة) يا حبيبي يا رسول الله كم فقدتَ و رأيت أصحابك تكفّن فتناعهُم و تدعو لهم،اللُّقيا في جنان النعيم. نظر رسول الله لأرض المعركة الدامية،ل رِفاق مصعب الذين نالوا الشهادة قال بعينٍ تترقرق : (إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله، يوم القيامة ). سلام الله عليك يا مصعب. تمّت *َتول_خبّازة*
❤️ 🫂 🥹 🤍 🥺 👍 😭 🖤 🩵 76

Comments