محمد سعد الأزهري
محمد سعد الأزهري
February 5, 2025 at 08:01 PM
لمن أُثقل بالهموم! في لحظات الضيق، حين تبدو الحياة كغرفة موصدة النوافذ، لا نسمة هواء تتسلل، ولا بصيص نور ينفذ، قد يهمس صوت داخلي: “لماذا أنا؟ لماذا كل هذا العناء؟ هل أستحق هذه الحياة؟” حينها، يكون القلب في معركة بين الأمل واليأس، بين الثبات والانهيار، بين التصديق بأن الله لطيف خبير، وبين الاستسلام لفكرة أن الأبواب قد أُغلقت للأبد. لكن، تذكَّر أن الحياة ليست مشهدًا ثابتًا، وليست لحظةً واحدة تُحكم بها على كل ما مضى وما هو آتٍ. فالأبواب التي تبدو مغلقة اليوم، قد تكون مجرد ستائر تحجب عنك نورًا أعظم، وستكشف الأيام أن ما ظننته ضيقًا كان في الحقيقة توسيعاً لما هو آت في الدنيا أو الآخرة. فعندما تضيق بك الدنيا، فقط عد إلى الله.. فهو الذي لا تضيق رحمته. حين يغلق البشر أبوابهم، وحين تنطفئ كل الشموع، يظل الله سبحانه وتعالى هو الملاذ الذي لا سواه، وهو النور الذي لا ينطفئ. (الله نور السموات والأرض). إنه ينتظرك، يسمع همسك قبل أن تهمس، ويعرف حزنك قبل أن تشكو، فألقِ بقلبك عنده، واطرق بابه بالدعاء، فليس بينك وبينه وسيط، ولا بين رجائك ورحمته حجاب. (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) الحياة ابتلاء واختبار، فكم من عظيم حُقر في أعين الناس، وكم من مؤمن اتُهم بالضلال! حتى الأنبياء لم يسلموا من ألسنة البشر، فهل تنتظر أن يكون طريقك خاليًا من العقبات؟ قال النبي ﷺ: “من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس” (رواه ابن حبان). فاعمل لما يرضي الله، ودع القلوب تتقلب كما تشاء، فمهما اجتمع الناس على ذمك، لن ينقص ذلك من قدرك عند الله شيئًا. إيّاك أن تحكم على حياتك من زاوية واحدة، فالحياة مثل لوحة فنية كبيرة، لكنك تراها الآن من زاوية ضيقة، زاوية الألم أو الفشل أو الخذلان. لا تستعجل الحكم على المشهد بأكمله لمجرد أن الألوان أمامك الآن باهتة. ربما غدًا تكتشف أن هذا الجزء الحزين كان ضروريًا لإكمال روعة اللوحة. أتعلم أن الله حين ذكر العسر في القرآن، أتبعه بيسر مرتين؟ ﴿فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح: 5-6). العسر قد يكون صعبًا، مؤلمًا، لكنه مؤقت، زائل لا محالة. واليُسر قادم، حتمي كما طلوع الشمس بعد الليل. فلا تجعل ألم العسر يعميك عن رؤية النور الذي يتسلل خلفه. إياك أن تترك قلبك مرتعًا للوساوس، ولا تجعل الفراغ بابًا تتسلل منه ظلمات الحزن إلى روحك. فالعقل حين يُثقل بالهموم، يحتاج إلى نور يشغله، وإلا أطبقت عليه العتمة. اشغل نفسك بما يرفعك، فالعلم حياة، والعمل عبادة، وخدمة الناس بركة، والتأمل في نعم الله دواء. لا تكن أسير أفكارك، بل كن قائدها، وخذ بها إلى ما يرضي الله ويملأ روحك بالسكينة والطمأنينة. أحيانًا، نغرق في التفكير بالمستقبل وننسى أن الحل قد يكون بين أيدينا. ربما شخص قريب يستطيع مساعدتك، ربما فرصة لم تلحظها، ربما باب آخر عليك طرقه. لا تبقَ واقفًا عند باب مغلق، بل ابحث عن مفاتيح أخرى، أو حتى اصنع بابًا جديدًا بنفسك. وأخيرًا… حين تضيق بك الدنيا، لا تنسَ أن الله هو الذي خلقك، وهو الذي يُدبّر أمرك، وهو الذي لن يتركك وحدك أبدًا. قد لا تفهم الآن الحكمة من كل ما تمر به، لكن ثق أن هناك معنى، هناك غاية، وهناك لطف لا تراه الآن، وسيأتيك كل شيء في وقته المُقدّر، فاصبر واحتسب.
❤️ 👍 😢 🥺 💔 💚 🙏 🤍 🥹 72

Comments