دائرة الفتاوى الشرعية والبحوث
دائرة الفتاوى الشرعية والبحوث
January 29, 2025 at 05:42 PM
*بناء القبب على القبور وإزالتها، والدفن في الأرض المملوكة* ورد إلينا سؤال يقول فيه السائل: كان جدنا رحمه الله تعالى قد أوقف أرضا له، وخصصها لمجلس الاحتفال بميلاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولجميع الاحتفالات الدينية، وأوصى أيضاً أن يُدْفَنَ في الجانب الخلفي من هذه الأرض، وأحد أحفاده يرى بطلان هذا العمل، وهو يريد هدم القبر وطمسه ووضع البناء فوقه؛ لئلا يراه أحد.. فما الحكم الشرعي في ذلك؟ وما حكم بناء المقامات والمشاهد على أضرحة من اشتهر بالصلاح والعبادة؟ وما حكم هدمها وإزالتها أو إخفائها ووضع البناء فوقها؟ الحمد لله.. الجواب وبالله التوفيق: قد علم الأولون والآخرون أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه دفنوا في حُجْرة، وهي مسقوفة، ولا فرْق بين السقف والقبّة، ولقد قال الله عز وجل عن شأن أهل الكهف: {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا }[سورة الكهف: ٢١] قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: « قال البيضاوي: لـما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء؛ تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانا، لعنهم، ومنع المسلمين عن مثل ذلك. فأما مَن اتخّذَ مسجدا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا التعظيم له، ولا التوجه نحوه، فلا يدخل في ذلك الوعيد..» اهـ. وقال الإمام الشافعي في كتاب الأم: «وقد رأيت من الوُلاة من يهدم بمكّة ما يُبنى فيها – من البناء على القبور – فلم أرَ الفقهاء يعيبون ذلك، فإنْ كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم، أو ورثتهم بعدهم، لم يُهدَمْ شيء أن يبنى منها، وإنما يُهدم – إن هُدمَ – ما لا يملكه أحد، فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر، فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس» اهـ. وواضح من كلام الإمام الشافعي أنه إنما يهدم ما بني في مقبرة مسبلة لئلا يضيق البناء على الناس. وقد اختلفت أنظار علماء المذاهب الأربعة رحمهم الله تعالى في القبر المرفوع، أو الموضوع عليه نحو قبة أو سقيفة: فذهب الشافعية إلى جواز ذلك في غير المسبلة بدون كراهة لنحو عالم وصالح كما في «التحفة» ، ونحوه في «النهاية » ، وأفتى بعض الشافعية بجواز ذلك لنحو من ذكر، ولو في مسبلة كما في «البجيرمي على الخطيب» . وذهب الأحناف: أنه يكره البناء على القبر ويحرم إن كان للزينة، كما ذُكِرَ ذلك في «تبيين الحقائق» ، و «إعلاء السنن». ومذهب المالكية قريبا من مذهب الأحناف، كما في «الشرح الصغير ». ومذهب الحنابلة: كراهته مطلقاً، وعن صاحب «المستوعب» و «المحرر» قال: (لا بأس بقبة، وبيت، وحصيرة، في ملكه؛ لأنّ الدفنَ فيه، مع كونه كذلك مأذون فيه). وقال صاحب المحرر أيضاً: « يكره في صحراء ؛ للتضييق، والتشبيه بأبنية الدنيا «. وقال في المستوعب: « يكره إن كان في مسبلة «، كما جاء ذلك في كتاب الفروع لابن مفلح. والخلاصة: أنّ بناء القباب ونحوها لا يعدو كونه مكروهاً، إذا كان في غير مسبلة، بل عند بعضهم جائز بلا كراهة، لنحو عالم، أو صالح. ولتحرير المسألة بأدلتها من الكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم فيها، يمكنكم الرجوع إلى الكتب المؤلفة في هذه المسألة بخصوصها، ومن ذلك: (كشف الستور في أحكام القبور)، للشيخ المحدث محمود سعيد ممدوح، وكتاب (إحياء المقبور في جواز بناء المساجد والقباب على القبور)، للحافظ أحمد بن الصديق الغماري. وإذا علمت هذه المسألة اتضح لك أنه لا يجوز نبش القبر، ولا طمسه، ولا اخفاؤه بوضع البناء عليه؛ لأن الأصل أنه وضع بحقّ، ولاسيما وأن في تلك الأيام يوجد في بلادكم من العلماء الكثير، ومن البعيد عليهم أن يقروا وضعاً بغير حقّ. وقال في (حاشية البجيرمي على الخطيب) : «ولو وجد بناء في أرض مسبلة، ولم يعلم أصله، ترك؛ لاحتمال أنه وضع بحق» اهـ. ولا بأس بوضع شبّاك حول القبر؛ إذا لم يضيق على المستفيدين من الساحة، وإنما قرر العلماء ذلك ليُزارَ قبرُ الصحابي، أو قبرُ الولي، أو قبرُ الصالح، أوقبرُ العالم؛ عملا بالسنة، وليتبرك بزيارته، ويعتبر بما كان عليه من العلم والعمل؛ فيقتدى به ويهتدى بهديه، قال تعالى: ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام: ٩٠]. وبما سبق يتضح الجواب، والله الموفق للصواب. والله تعالى أعلم. للإطلاع على الفتوى: https://fatawaaddar.com/fatawa/drf-172 للإشتراك في قناة الواتس الخاصة بموقع فتاوى الدار اضغط الرابط: https://whatsapp.com/channel/0029VaZhGeg4yltFwyLCSR3L
❤️ 👍 9

Comments