أخصائي نفسي: محمد الأسطى
أخصائي نفسي: محمد الأسطى
February 2, 2025 at 08:12 PM
إنها تعرف كيف تملأ الفراغ. أينما وجدت الصمت، تملؤه بالكلمات. حيثما شعرت بالبرود، تذيب الجليد بابتسامة، بلمسة، بضحكة تحمل في طياتها وعدًا بشيء أكثر إثارة. لا تتحمل أن تكون هامشية، أن تمر دون أن تترك أثرًا، وكأن وجودها نفسه مرهون بانعكاسه في عيون الآخرين. لكنها لا تفتعل ذلك. الأمر أشبه بغريزة، برد فعل تلقائي. منذ صغرها، أدركت أن العالم يلتفت إلى من يجعل القصة أكثر تشويقًا، إلى من يبكي بحرقة، إلى من يروي الحكايات بصوت يضج بالحياة. فتعلمت أن تكون هذه الحكاية. تعلمت أن تُجمل الحقيقة، أن تزيد عليها قليلًا، أن تجعلها أكثر درامية، أكثر تأثيرًا. ليس لأنها تريد الخداع، بل لأنها تخشى أن تمر الحقيقة كما هي... باهتة. لكن في لحظات الوحدة، عندما تسدل الأضواء، وعندما لا يكون هناك جمهور يصفق، يتسلل إلى قلبها إحساس خفي، كأنها ممثلة خرجت من المسرح ولم تعد تذكر من تكون خارج أدوارها المتكررة. من أنا حين لا يراقبني أحد؟ من أنا عندما لا أثير اهتمام أحد؟ سؤال تخشاه، تتجاوزه، تملؤه بصخب جديد قبل أن تتمادى لحظة الصمت أكثر مما ينبغي. الشخصية الهستيرية ليست المشكلة في كونها محبة للحياة، ولا في شغفها بالتواصل والانفعالات. المشكلة هي أنها لم تتعلم يومًا كيف تكون بدون تصفيق، كيف تشعر بوجودها دون أن يراها الآخرون. إن علاج الشخصية الهستيرية لا يبدأ بإطفاء الأضواء، بل بمساعدتها على رؤية نفسها بعيدًا عنها. في البداية، تحتاج إلى إدراك أنها ليست مجرد مشاعر قوية ومشاهد درامية، بل إنسان له عمق يتجاوز ما يراه الآخرون. العلاج هنا ليس في كبت عاطفتها، بل في تعلمها كيف تعيشها بصدق، دون تضخيم أو مبالغة. أن تدرك أن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى استعراض، وأن الوجود لا يُثبت بالصخب، بل بالقدرة على البقاء حتى في اللحظات التي لا يكون فيها أحد يراقب. في العلاج النفسي، ستتعلم كيف تميز بين مشاعرها الحقيقية والمشاعر التي تصنعها لجذب الانتباه. ستواجه خوفها من أن تُنسى، وتدرك أن قيمتها لا تتوقف على عدد العيون التي تتبعها. تدريجيًا، ستتخلى عن حاجتها لأن تكون دائمًا "الحدث"، وستبدأ في بناء هوية أكثر استقرارًا، لا تهتز بغياب الجمهور. وفي النهاية، ستكتشف أمرًا لم تكن تتوقعه: أن الحياة خارج المسرح أكثر هدوءًا، لكنها أيضًا... أكثر صدقًا.
❤️ 👍 9

Comments