
أخصائي نفسي: محمد الأسطى
February 5, 2025 at 05:36 AM
في البداية، يبدو الأمر وكأنه شرخ صغير في نسيج الواقع، فكرة عابرة لا تبدو غريبة تمامًا، صوت هامس بالكاد يُسمع. ثم، شيئًا فشيئًا، يتوسع الشرخ، وتتداخل العوالم. ما كان يومًا يقينًا يصبح موضع شك، وما كان وهمًا يتحول إلى حقيقة لا يمكن إنكارها. تتحدث الأصوات، بعضها مألوف، وبعضها غريب، تهمس، تأمر، تضحك، تراقب. الشوارع تحمل رسائل خفية، التلفاز يرسل إشارات مشفرة، والعيون من حولك... تراقبك.
ليس الفصام مجرد مرض، إنه رحلة في عالم موازٍ، حيث الحدود بين الداخل والخارج غير واضحة، حيث الذات تصبح ساحة معركة بين الحقيقة والتوهم. في هذه العزلة الذهنية، يصبح الخوف رفيقًا دائمًا، وتتحول الحياة إلى محاولة مستمرة للإمساك بخيط الواقع قبل أن يبتلعه الضباب.
العلاج لا يكون بإجبار الشخص على ترك عالمه الخاص، بل بمساعدته على بناء جسر بينه وبين الواقع، خطوة بخطوة، دون أن يشعر بأنه يُجرد من ذاته. يبدأ الأمر بتسمية ما يحدث له، بتعلم التفريق بين الأصوات التي تأتي من داخله، وتلك التي تنتمي للعالم الحقيقي. بالتدريج، يتعلم كيف يختبر الأفكار، كيف يسأل نفسه: هل يمكن أن يكون هناك تفسير آخر؟ هل هذه الفكرة يقبلها المنطق؟
الأدوية قد تهدئ العاصفة، والعلاج النفسي قد يرسي القواعد، لكن الأهم هو أن يشعر أنه ليس وحيدًا في معركته. أن هناك من يمد له يده دون أن يخاف منه، من يراه إنسانًا قبل أن يراه مريضًا. ومع الوقت، قد لا تختفي الأصوات تمامًا، قد يبقى شيء من الضباب، لكن يصبح بإمكانه العيش، بإمكانه أن يعبر الجسر، أن يجد قدمًا ثابتة في هذا العالم الذي ظنه يومًا بعيدًا عنه.
❤️
👍
7