
أخصائي نفسي: محمد الأسطى
February 5, 2025 at 04:42 PM
هناك دائمًا شيء ناقص. دائمًا تفصيل لم يكن كما يجب. الخط الذي لم يكن مستقيمًا بما يكفي، الكلمة التي لم تكن دقيقة تمامًا، الإنجاز الذي لم يكن مثاليًا. كلما اقتربتَ من الرضا، تحركت النقطة أبعد، وكأنك تطارد سرابًا في صحراء لا نهاية لها.
الكمالية ليست مجرد رغبة في أن يكون كل شيء جيدًا، بل هي فخ، سجن يبدو في ظاهره راقيًا، لكنه يحبس صاحبه في دوامة لا تنتهي من المحاولات والتعديلات والتشكيك المستمر في كل شيء. أي خطأ، مهما كان بسيطًا، يتحول إلى دليل على أنك لست كافيًا، على أن هناك خللًا ما فيك، على أنك لم تبذل الجهد الكافي. وهكذا، تصبح الحياة سباقًا ضد معيار مستحيل، معيار لا يمكن تحقيقه، لكنه لا يتوقف عن المطالبة بالمزيد.
العلاج لا يكون بالتخلي عن الجودة أو السعي للنجاح، بل في إدراك أن الكمال ليس شرطًا للحياة، وأن النقص ليس دليلًا على الفشل، بل على الإنسانية. أن تتعلم كيف تقف أمام عمل غير مكتمل وتقول: "هذا جيد بما يكفي." كيف تقبل فكرة أن بعض الأخطاء لن تغير شيئًا، أن بعض العيوب هي ما يجعل الشيء حقيقيًا.
الأمر يحتاج إلى تدريب، إلى مواجهة الرغبة في التعديل المستمر، إلى تحمل القلق الناتج عن عدم السعي للكمال في كل مرة. إلى أن تفهم أن قيمتك ليست في مدى دقتك، بل في كونك إنسانًا، وليس آلة.
وفي النهاية، حين تدرك أن الحياة لن تنهار بسبب تفصيل غير مثالي، ستشعر بخفة لم تعهدها من قبل، وكأنك أخيرًا توقفت عن الجري خلف السراب، وسمحت لنفسك بأن تعيش.
❤️
👍
9