تخيل أنك غارق في بحر هائج، تقاوم بكل ما أوتيت من قوة، تضرب المياه بذراعيك، تحاول التشبث بأي شيء، لكن كلما قاومت، زادت الأمواج شراسة، وسحبتك إلى الأعماق أكثر. قلبك يتسارع، جسدك ينهك، والفكرة الوحيدة التي تسيطر عليك: "يجب أن أخرج من هنا بأي طريقة!" لكن ماذا لو توقفت عن المقاومة؟ ماذا لو سمحت لنفسك بأن تطفو بدلًا من أن تغرق في معركة لا تنتهي؟ العلاج بالتقبل والالتزام لا يحاول تغيير أفكارك أو قمع مشاعرك، بل يعلمك كيف تعيش معها دون أن تستهلكك. يعلمك أن الألم النفسي جزء من التجربة الإنسانية، وأن الصراع المستمر ضده هو ما يجعله أكثر حدة. بدلًا من محاولة دفع الخوف بعيدًا، تتعلم أن تقول له: "أراك، أعلم أنك هنا، لكنني لن أسمح لك أن تحكم حياتي." التحرر لا يأتي من التخلص من المعاناة، بل من تغيير علاقتك بها. تبدأ بالوعي، بملاحظة أفكارك دون أن تندمج معها، وكأنك تراقب الغيوم وهي تمر في السماء، تدرك أنها عابرة، أنها ليست أنت. ثم، بدلًا من أن تسأل: "كيف أتخلص من هذا الشعور؟" تسأل: "كيف يمكنني أن أعيش حياة ذات معنى رغم وجوده؟" وهنا يأتي الالتزام، ليس بالحرب ضد نفسك، بل بالقيم التي تهمك. الألم قد يبقى، لكنه لن يعيقك. الخوف قد يرافقك، لكنه لن يمنعك من التحرك. تتعلم أن تحمل معك مشاعرك، لا أن تسجن نفسك فيها. وحين تفعل ذلك، ستدرك أن الحياة لم تكن تنتظر زوال معاناتك كي تبدأ، بل كانت دائمًا هنا، تنتظر فقط أن تختار أن تعيشها.