أخصائي نفسي: محمد الأسطى
February 14, 2025 at 06:37 PM
في كل علاقة هناك مسافة غير مرئية—ذلك الفراغ بين كلمتين، بين نظرة وأخرى، بين ما يُقال وما يُشعر به. في العلاقة العلاجية، هذه المساحة ليست مجرد فراغ، بل ميدان يُعاد فيه تشكيل المعنى. هي ليست مجرد محادثة بين معالج وعميل، بل لقاء بين ذاتين، كلتاهما تتأثر بالأخرى بطرق قد لا تكون واضحة منذ البداية.
في الجلسة، لا يدور الأمر حول تحليل الماضي فقط، بل حول ما يحدث هنا، الآن. كيف ينظر العميل إلى العلاقة؟ كيف يشعر وهو يتحدث؟ هل يثق أم يتردد؟ هل يعيد نمطًا مألوفًا من علاقاته السابقة دون وعي؟ هنا، في هذه اللحظة، يكون العلاج حيًا، نابضًا، حيث تُعاد صياغة العلاقة مع الذات ومع الآخر في الوقت الفعلي.
ليست العلاقة العلاجية مكانًا للهروب من المشاعر، بل لاحتضانها كما هي. قد يشعر العميل بعدم الراحة، وقد يتساءل المعالج إن كان يقول الشيء الصحيح. لكن في هذا التفاعل، في هذه الدقائق التي يُسمح فيها للأفكار والمشاعر أن تكون كما هي دون حكم أو استعجال، يحدث شيء عميق—تبدأ النفس في استكشاف ذاتها، ليس عبر التحليل فقط، بل عبر التجربة المباشرة.
في "هنا والآن"، يصبح العلاج أكثر من مجرد كلمات. يصبح مرآة، يرى فيها العميل نفسه بوضوح لم يعتده. قد يخاف مما يراه، وقد يرتاح لاكتشاف أن المساحة آمنة، وأنه ليس وحده. وحين تنتهي الجلسة، لا يغادر بالكلمات فقط، بل بشيء أعمق—بإحساس جديد بالعلاقة، بنفسه، وبإمكانية أن يكون حاضرًا في حياته كما كان حاضرًا هنا، الآن.
❤️
6