Hammurabi's Code
Hammurabi's Code
February 18, 2025 at 12:02 AM
نكتب لكي نزيد الوعي، وننير العقول التي أظلمتها الأوهام، فالكلمة مسؤولية، والحقيقة سلاح منير في وجه الجهل والفساد. في زمن يعج بالصراعات والانقسامات، تبرز الحاجة إلى فهم عميق لمفهوم المواطنة المتساوية، وإلى رفض كل ما يُقسم المجتمعات تحت مسميات الطوائف أو الأقليات. فالدولة الحقيقية لا تُبنى على الانقسامات ولا على تصنيف المواطنين، بل على المساواة والعدالة التي تُعزز الانتماء وتُرسخ الولاء للوطن. المواطنة المتساوية: الأساس لبناء الدولة الحقيقية تقوم فكرة المواطنة المتساوية على مبدأ أن جميع الأفراد في المجتمع هم مواطنون متساوون أمام القانون، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو الدينية أو الاجتماعية. لا مكان لمفهوم الأقليات أو الطوائف في دولة تسعى لتحقيق العدالة والمساواة؛ فالجميع يجب أن يُعاملوا بنفس الحقوق والواجبات، دون أي تمييز. هذا المفهوم يعكس رؤية واضحة لبناء مجتمع متماسك ومزدهر، حيث تُلغى كل الحواجز التي تُقسم الناس إلى فئات، ويُعزز الشعور بالانتماء الوطني. ففي وطنٍ يُعامل الجميع فيه كمواطنين متساوين، تتلاشى مظاهر التفرقة ويتحقق السلام الاجتماعي. مخاطر تقسيم المجتمع بمفهوم الأقليات إن الحديث عن الأقليات أو الطوائف في أي مجتمع يفتح الباب أمام التمييز والانقسامات. فعندما يُصنف الناس وفقًا لأصولهم أو معتقداتهم، يُصبح من السهل تبرير التمييز في الحقوق أو الواجبات، ما يؤدي إلى خلق فجوات اجتماعية وثقافية تهدد استقرار المجتمع. تاريخيًا، كانت النزاعات الأهلية والصراعات الدينية في كثير من الدول نتيجة مباشرة لتقسيم المجتمع على أساس الطوائف أو الأقليات. وفي هذا السياق، يُعد الترويج لهذه المفاهيم بمثابة خيانة للوطن، لأنها تُعزز الانقسامات وتُضعف الوحدة الوطنية. لذلك، يجب محاسبة كل من يُحاول الترويج لهذه الأفكار لأنها لا تخدم إلا المصالح الشخصية أو الفئوية على حساب مصلحة الوطن. كيف استغل الغزاة مفهوم الأقليات استغل الغزاة عبر التاريخ مفهوم الأقليات كأداة للتقسيم والسيطرة على الشعوب. بتصنيف السكان إلى فئات عرقية أو دينية، تمكنوا من زرع الفتن وتأجيج الصراعات الداخلية، مما سهّل عليهم فرض هيمنتهم. لقد أدركوا أن تقسيم المجتمع إلى مجموعات متنافسة يضعف قوته ويمنع توحيده ضد العدو الخارجي. في كثير من الحالات، دعمت القوى الاستعمارية فئات معينة على حساب أخرى، مما خلق شعورًا بالظلم وعدم المساواة. هذه السياسة ساعدت الغزاة في الحفاظ على سلطتهم عبر “فرق تسد”، وهي استراتيجية استخدمتها قوى استعمارية عديدة، مثل البريطانيين في الهند والفرنسيين في شمال أفريقيا. مثال من التاريخ الحديث: العراق ونوري المالكي من الأمثلة البارزة لاستغلال مفهوم الأقليات في السياسة الحديثة، ما حدث في العراق بعد عام 2003. فقد سعى بعض السياسيين لتقسيم المجتمع العراقي على أسس طائفية وعرقية، مما أدى إلى تدمير النسيج الاجتماعي لهذا البلد العريق. من بين هذه الحالات، تصريح سيء الذكر لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عندما وصف المسيحيين في العراق بـ”الجالية”. هذا الوصف يحمل في طياته تهميشًا مقصودًا لمكون أصيل من مكونات الشعب العراقي. المسيحيون في العراق ليسوا جالية، بل هم أصحاب الأرض الحقيقيون، وجذورهم تمتد لآلاف السنين في هذا البلد. كانوا جزءًا من الحضارات العريقة التي نشأت في بلاد ما بين النهرين، وأسهموا في بناء العراق بتراثهم وثقافتهم. تصنيفهم كأقلية أو جالية يُعد تشويهًا للتاريخ، ويعكس محاولة لتقسيم المجتمع العراقي على أسس طائفية. هذا النهج أدى إلى تهجير أعداد كبيرة من المسيحيين وتدمير تنوع العراق الثقافي والديني. كيف افتعل الأوروبيون الحروب بين الشعوب الإفريقية من أكثر الأمثلة وضوحًا على استغلال مفهوم الأقليات لإثارة الفتن، ما فعله الاستعمار الأوروبي في أفريقيا. عندما استعمر الأوروبيون القارة الأفريقية، لم يعيروا اهتمامًا للتركيبة الاجتماعية والثقافية للشعوب هناك، بل قاموا بتقسيم الأراضي بشكل اعتباطي وفقًا لمصالحهم الاستعمارية. هذا التقسيم أدى إلى ضم مجموعات عرقية ودينية متباينة في دول واحدة، أو تقسيم مجموعات متجانسة بين عدة دول. استفاد المستعمرون من هذه التركيبة المعقدة بتعزيز النزاعات بين هذه المجموعات، مما أدى إلى اندلاع حروب أهلية مدمرة. على سبيل المثال، في رواندا، استغل الاستعمار البلجيكي الانقسامات العرقية بين الهوتو والتوتسي، مما أدى لاحقًا إلى واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث. كما استغلت القوى الاستعمارية في نيجيريا الاختلافات بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي لتعزيز هيمنتها. هذا النهج الاستعماري لم يزرع الفتن فقط، بل أسس لانقسامات عميقة استمرت حتى بعد رحيل المستعمرين، لتتحول أفريقيا إلى ساحة صراعات أهلية أضعفت قواها وعطلت تقدمها. تهمة الخيانة العظمى لكل من يُصنف المجتمع إن تهمة الخيانة العظمى يجب أن تُوجه لكل من يُصنف المجتمع على أساس A أو B أو C، لأن هذا التصنيف يُمثل خيانة حقيقية للوطن والمجتمع. تقسيم الناس على أسس دينية أو عرقية أو طائفية يُمزق النسيج الاجتماعي ويُضعف وحدة الأمة. الخيانه ليست فقط في تفريق المجتمع، بل أيضًا في عدم إعطاء كل مواطن استحقاقه الكامل بسبب خلفيته الدينية أو لون بشرته. هذا التمييز يُعد انتهاكًا لمبادئ العدالة والمساواة. هل يُعقل أن يُسأل مريض عند دخوله المستشفى: “من أين أنت؟” أو “ما دينك؟” الجواب بالطبع: لا. الطبيب لا يسأل عن أصل المريض أو دينه، لأنه يعامله كإنسان يستحق العلاج دون أي تمييز. هكذا يجب أن تكون المواطنة المتساوية، حيث لا يُسأل أي شخص عن خلفيته أو انتمائه، بل يُعامل كإنسان ومواطن له حقوق وعليه واجبات. الخاتمة: لا يمكن لمجتمع أن ينهض إذا ما قُسم إلى طوائف أو أقليات، فالتفرقة تُضعف الانتماء وتُعزز الصراعات. لذا، يجب محاسبة كل من يُحاول الترويج لهذه الأفكار الهدامة، لأنها خيانة للوطن والمجتمع. المواطنة المتساوية ليست مجرد شعارات، بل هي ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي. إنها الطريق الوحيد لبناء وطنٍ قويٍ ومتماسكٍ يُعلي من قيمة الإنسان، ويُحقق التنمية المستدامة. فليكن الولاء للوطن وحده، دون أي انتماءات ضيقة تُقسم المجتمع.

Comments