
Hammurabi's Code
February 18, 2025 at 04:52 PM
نكتب لكي نزيد الوعي، وننير العقول التي أظلمتها الأوهام، فالكلمة مسؤولية، والحقيقة سلاح منير في وجه الجهل والفساد
مقال بعنوان
شيعة شيعة يساوى شاحنة قمامة
في ليلة الرابع عشر من فبراير، وقف الزمن في طريق مطار بيروت. لم يكن مشهدًا عابرًا، بل كان تجسيدًا للعبث بأبشع صوره. أصوات تتعالى بالهتافات: “شيعة… شيعة”، تملأ الأرجاء بصخبٍ يُشعِر الغريب بالرهبة. أصواتٌ تردد نداءً يبدو كأنه استغاثة، أو ربما هو نداء لتجمع بيئةٍ لا تعرف سوى الفوضى، بيئة حزب الله الإرهابي. في خضم تلك الضوضاء، ظهرت شاحنة قلاب، أو كما يسميها أهل بيروت “كوميون”، محملةً بالنفايات. توقفت على الطريق، ثم أفرغت حمولتها هناك، على مرأى من الجميع.
لم يكن هذا الفعل مجرد حادثةٍ عابرة، بل كان رسالةً صريحةً تحمل في طياتها قبح الفكر وانحطاط الأخلاق. جاءت هذه الفعلة اعتراضًا على قرار الحكومة اللبنانية بمنع هبوط طائرةٍ إيرانية. وكأنَّ المقاومة لديهم تعني تكديس القمامة في شوارع وطنهم. بأي منطقٍ يمكن لأبناء الضاحية أن يروا في هذه الأفعال مقاومة ضد إسرائيل؟ وكيف يُقنِعون أنفسهم أن طريق القدس يمر عبر شوارعٍ مكدسةٍ بالنفايات؟
في هذا المشهد العبثي، تتجلى قسوة الواقع اللبناني. المواطن ألبناني مريض، يقف عاجزًا أمام صيدليةٍ فارغة. لا دواء لمرضه، ولا مدرسةً لابنه. زوجته تنتظر عشاءً لن يأتي، وأطفاله يرقدون جياعًا. كسرت نفسه طوابير صناديق المساعدات العربية، بينما منزله غارقٌ في الظلام لانقطاع الكهرباء، وجسده منهكٌ من حمل عبوات الماء بعد جفاف الصنابير. راتبه الشهري لا يتجاوز العشرة دولارات، وهي لا تكفي حتى لشراء خبزٍ لأسبوعٍ واحد.
كيف يمكن لإنسانٍ مسحوقٍ تحت وطأة كل هذه المآسي أن يقاوم بلدًا متطورًا مثل إسرائيل؟ هناك، حيث المواطن يعيش في رفاهية، يحصل على تعليمٍ متقدم، وخدماتٍ صحيةٍ ممتازة. الكهرباء لا تنقطع أبدًا، والماء يجري في الصنابير دون انقطاع. هناك، لا يحتاج المرء للوقوف في طوابيرٍ مذلةٍ للحصول على لقمةٍ تسد رمقه.
بين قاع الانحطاط ورفاهية الأعداء
لم يبقَ للبنان سوى المطار؛ هو الرئة التي يتنفس منها المواطن اللبناني. هو المنفذ الوحيد نحو العالم الخارجي، وهو الأمل الأخير لمن يرغب في الهروب من جحيم الفقر والفساد. المطار أغلى من أفكار الولي الفقيه، وأقدس من شعاراتٍ جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع. لكنه اليوم بات رهينةً بيد بيئةٍ تعبد الأصنام السياسية، وتخضع لإملاءات طهران.
بينما يرسخ حزب الله في نفوس أتباعه أن طريق القدس يمر عبر سوريا، يُغرقون بيروت في الفوضى والقذارة. يلقون بالنفايات في الشوارع، يعطلون حركة السير، ويهتفون بهتافاتٍ طائفيةٍ تزيد الشرخ بين اللبنانيين. أي مقاومةٍ هذه التي تبدأ بقلب القمامة في الطرقات؟ وأي انتصارٍ يُبنى على أكتاف الجياع؟
في الجانب الآخر من الحدود، يعيش المواطن الإسرائيلي حياةً كريمةً هانئة. لا يسمع ضجيج مولدات الكهرباء، ولا يشكو من انقطاع المياه. يتلقى تعليماً متطوراً، ويجد في المستشفيات أرقى خدمات الرعاية الصحية. هناك، لا يُجبر المواطن على الهتاف لحزبٍ أو زعيمٍ مقابل لقمة عيش.
معادلة الانحطاط والمقاومة المزعومة
في لبنان، باتت المقاومة تُقاس بكمية النفايات التي تُلقى في الشوارع، وبالهتافات الطائفية التي تفرق بين أبناء الوطن الواحد. أصبحت تُقاس بعدد المسيرات الاستفزازية، وبالتباهي بالولاء لمرشدٍ بعيد، لا يعنيه من أمر لبنان شيء. مقاومةٌ تكرّس الفقر، وتنشر الجهل، وتدمر الأخلاق.
أين هي القدس من كل هذا العبث؟ وأين هو شرف المقاومة عندما يُباع الوطن مقابل حفنةٍ من الدولارات القادمة من طهران؟ كيف ينام ضمير ذلك الذي يرفع شعار المقاومة، بينما يتضور جاره جوعًا، ولا يجد دواءً لطفله المريض؟
لبنان بين أنياب العمالة وأحلام التحرر
لم تعد القضية اليوم قضية مقاومةٍ أو صراعٍ مع إسرائيل. بات الصراع بين شعبٍ يحلم بالحرية والكرامة، وبين فئةٍ اختارت العمالة لأجنداتٍ خارجية. لم يبقَ من لبنان إلا فتات وطنٍ ممزقٍ بين أطماع الساسة، وخضوع العملاء لإملاءاتٍ إقليمية.
ليس الطريق إلى القدس هو الذي يمر عبر سوريا، بل طريق التحرر يمر عبر كسر قيود العمالة والخيانة. طريق استعادة الكرامة يبدأ من رفض الطائفية، ومن بناء دولةٍ تحترم حقوق مواطنيها. دولةٍ لا يقودها زماميرُ الفساد، ولا تُحكم بقبضة سلاحٍ غير شرعي.
بين الشعارات والدماء: جرائم حزب الله في المنطقة
حزب الله، الذي يدّعي الدفاع عن القضايا العربية، تورّط في سلسلة من الجرائم والانتهاكات بحق شعوب المنطقة، متسببًا في مآسٍ إنسانية جسيمة.
في سوريا، شارك حزب الله بفعالية في الحرب الأهلية إلى جانب النظام السوري، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا المدنيين. كان تدخله في معركة القصير عام 2013 مثالًا بارزًا على دعمه للنظام ضد المعارضة السورية. كما فرض الحزب حصارًا خانقًا على مدينة مضايا عام 2015، مما أدى إلى وفاة العديد من المدنيين جوعًا ومعاناة إنسانية كبيرة.
في لبنان، تورط حزب الله في اغتيالات سياسية، أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005. كما ساهم في تأجيج الصراعات الداخلية، مما أدى إلى زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.
في العراق واليمن، قدّم حزب الله دعمًا لوجستيًا وتدريبيًا للميليشيات المسلحة، مما أسهم في تصاعد العنف وسقوط العديد من الضحايا المدنيين.
في المقابل، وعلى الرغم من شعارات المقاومة التي يرفعها، فإن حصيلة قتلى الإسرائيليين على يد حزب الله تبدو محدودة نسبيًا. ففي النزاعات الأخيرة، أعلن الحزب عن مقتل أكثر من 100 جندي إسرائيلي وإصابة ألف آخرين منذ بدء العمليات البرية في جنوب لبنان. بينما أشارت تقارير أخرى إلى مقتل 44 إسرائيليًا، بينهم 24 مدنيًا، منذ بدء المواجهات.
هذه الأرقام تعكس تناقضًا صارخًا بين الأضرار الجسيمة التي ألحقها حزب الله بشعوب المنطقة، وبين الخسائر المحدودة التي تكبّدها العدو الإسرائيلي. يبدو أن الحزب، بدلًا من تحقيق وعوده بتحرير القدس، انخرط في صراعات أضرّت بالدرجة الأولى بالشعوب العربية، مما يثير تساؤلات حول أولوياته الحقيقية ودوره في المنطقة.
خاتمة: بين القمامة والكرامة
في ذلك الليل البارد، عندما انقلبت شاحنة النفايات على طريق مطار بيروت، لم يكن المشهد مجرد فعلٍ عبثي، بل كان انعكاسًا لواقعٍ مظلمٍ يعيشه لبنان. كان رمزًا لقاع الانحطاط الفكري والأخلاقي الذي وصل إليه أتباع حزب الله الإرهابي. في تلك اللحظة، تجلى الفارق بين شعبٍ يتوق للحرية، وجماعةٍ لا ترى في الوطن سوى ساحةٍ للولاء الأعمى ألوليٍ السفيه غريب.
بينما يُغرقون بيروت في القمامة، يظل الأمل معقودًا على أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بأن لبنان يستحق حياةً أفضل. أولئك الذين يدركون أن المطار ليس مجرد منفذٍ جوي، بل هو شريان الحياة الذي يربط لبنان بالعالم. هو الأمل الأخير في وجه العزلة والظلام.
حينها فقط، سيتحقق الانتصار الحقيقي. ليس على إسرائيل، بل على الفقر والجهل والفساد. ليس على عدوٍ خارجي، بل على أعداء الداخل الذين باعوا الوطن بثمنٍ بخس. ليس بشاحنة زبالة، بل بحلمٍ كبيرٍ بدولةٍ حرةٍ كريمة.،،،
❤️
🙏
3