
Hammurabi's Code
February 21, 2025 at 10:30 AM
تهجير أهل غزة: لعبة النفوذ والأدوات الخفية
لطالما كانت القضية الفلسطينية محورًا للصراعات الإقليمية والدولية، حيث تتداخل المصالح والأجندات، وتُستغل الأوضاع لصالح مشاريع كبرى. واليوم، مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، يبرز الحديث مجددًا عن تهجير أهلها، وسط تكهنات عن تواطؤ إقليمي ودولي لإفراغ القطاع من سكانه.
الدور الأمريكي والضغط على مصر والأردن
تلعب الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في رسم المشهد السياسي في المنطقة، حيث تستخدم نفوذها للضغط على دول الجوار الفلسطيني مثل مصر والأردن. في هذا السياق، تبرز أدواتها الناعمة والخشنة، التي تتراوح بين الضغوط الاقتصادية والسياسية، وبين التهديدات المباشرة وغير المباشرة.
مصر، التي تشترك مع غزة في حدودها الجنوبية، تتعرض لضغوط أمريكية لقبول تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. رغم الموقف الرسمي المصري الرافض، إلا أن الضغوط الاقتصادية والتلويح ببرامج دعم مشروطة قد تجعل من الصعب التمسك بهذا الرفض على المدى الطويل.
أما الأردن، الذي يضم أعدادًا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، فهو الآخر مهدد بتحمل أعباء جديدة. الولايات المتحدة تمارس نفوذها من خلال أدوات سياسية وأمنية، وأحيانًا عبر التلويح باضطرابات داخلية قد تشكل ضغطًا إضافيًا على النظام.
الإخوان المسلمون: الأداة الضاربة
من بين الأدوات التي لطالما استخدمتها الولايات المتحدة في المنطقة، تنظيم الإخوان المسلمين، الذي أثبت فعاليته في زعزعة الاستقرار حينما تطلب الأمر. هذا التنظيم، الذي يُصوَّر أحيانًا على أنه معارض للنفوذ الأمريكي، لم يكن بعيدًا عن تحقيق أهداف واشنطن في بعض المحطات التاريخية.
في سوريا، شهدنا كيف تحولت الانتفاضة الشعبية إلى صراع دموي استُخدمت فيه الجماعات الإسلامية المتطرفة كأدوات لضرب استقرار الدولة. وعلى الرغم من أنني ككاتب استقصائي لا أؤيد نظام الأسد وسياساته القمعية، إلا أن ما جرى هناك يُظهر كيف يمكن توظيف الجماعات المسلحة لخلق حالة من الفوضى، وهو ما قد يتكرر في الأردن إذا ما اقتضت الحاجة إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية في المنطقة.
الدور التركي الخفي
إلى جانب التدخلات الأمريكية، يلعب النظام التركي دورًا خفيًا في دعم إسرائيل بطرق غير مباشرة، رغم التصريحات النارية التي يطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فقد لفتت تصريحاته الأخيرة عن استعداده لاستقبال أهل غزة الأنظار، إلا أن هذه الخطوة تبدو أكثر كجزء من استراتيجية لاستغلال المآسي العربية لتحقيق مكاسب سياسية.
من الملاحظ أن أردوغان يستغل كل كارثة تصيب الدول العربية، سواء عبر التدخل السياسي أو الاقتصادي، بهدف تعزيز نفوذه الإقليمي. في الوقت ذاته، يُمارس النظام التركي ضغوطًا قاسية على المواطنين العرب المقيمين في تركيا، ويعمل على إذلالهم ضمن سياسات تهدف إلى تحميلهم مسؤولية سقوط الدولة العثمانية الإرهابية، بحسب نظرة القومية التركية الحاكمة.
مأساة الفلسطينيين في العراق: نموذج آخر للتواطؤ
إذا كنا نتحدث عن تهجير أهل غزة والضغوط المفروضة على مصر والأردن، فمن الضروري أن نعود قليلاً إلى ما حدث للفلسطينيين في العراق عقب تغيير النظام في 2003. بعد سقوط نظام صدام حسين، أصبح الفلسطينيون في العراق هدفًا للمليشيات الشيعية التي مارست بحقهم انتهاكات خطيرة، من القتل والاختطاف إلى التهجير القسري.
ما حدث في العراق يُظهر أن المليشيات الشيعية والإخوان المسلمون وجهان لعملة واحدة، كلاهما يُستخدم كأدوات لضرب الاستقرار وخلق الفوضى، بما يخدم مصالح القوى الكبرى في المنطقة.
حماس: العدو الأكبر للشعب الفلسطيني
في سياق الحديث عن الأدوات التي تُستخدم لإبقاء الفلسطينيين في حالة ضعف وانقسام، لا يمكن إغفال حركة حماس، التي تُعد العدو الأكبر للشعب الفلسطيني. فعلى مستوى القيادة، تعمل حماس كذراع عسكري للإخوان المسلمين، تنفذ أجنداتهم وتخدم مصالح داعميهم، بينما يتم التغرير بالمقاتلين على الأرض ليصدقوا أنهم يقاتلون من أجل القضية.
إن حماس ليست فقط جزءًا من المخطط الإقليمي لضرب الاستقرار الفلسطيني، بل هي أداة تُستخدم لإدامة حالة الصراع وتحقيق مكاسب سياسية. فبدلًا من أن تكون مقاومة وطنية، تحولت إلى كيان يسعى لتحقيق مصالح التنظيم العالمي للإخوان، على حساب الشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن الأكبر من دمائه ومستقبله.
كيف قتل الفلسطينيون في سوريا ولبنان؟
لم يكن الفلسطينيون في مأمن من البطش حتى داخل الدول العربية التي لجأوا إليها. في سوريا، تعرض الفلسطينيون في المخيمات لمجازر مروعة على يد نظام الأسد الأب والابن. ففي مجزرة تل الزعتر عام 1976 في لبنان، قامت قوات حافظ الأسد بفرض حصار خانق على المخيم، أدى إلى مقتل آلاف الفلسطينيين، في واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت بحقهم.
أما في سوريا، فقد تعرض مخيم اليرموك لحصار قاسٍ دام سنوات، حيث قُتل الآلاف جوعًا وقصفًا، وسط تواطؤ إقليمي ودولي. لم يكن النظام السوري وحده المسؤول، بل ساهمت المليشيات المتحالفة معه في تصفية اللاجئين الفلسطينيين، تمامًا كما جرى في العراق على يد المليشيات الطائفية.
حماس وبيع الدم الفلسطيني
لم تتوقف خيانات حماس عند تنفيذ أجندات الإخوان، بل امتدت إلى تمجيد الأنظمة التي ارتكبت المجازر بحق الفلسطينيين. فقد شهدنا كيف رفعت قيادات حماس صور قاسم سليماني، وامتدحته باعتباره "شهيد القدس"، رغم كونه مسؤولًا عن سياسات إيران التوسعية التي قتلت الفلسطينيين في العراق وسوريا.
كما لم تتردد حماس في التقرب من نظام بشار الأسد، رغم كل المجازر التي ارتكبها بحق الفلسطينيين في مخيمات سوريا. فبدلًا من إدانة جرائمه، سعت قيادة حماس لإعادة العلاقات معه، في خطوة تكشف مدى استعدادها لبيع القضية الفلسطينية من أجل تأمين دعم سياسي ومالي.
هل يتكرر السيناريو السوري في الأردن؟
رغم الاختلافات الجوهرية بين الوضعين السوري والأردني، إلا أن هناك تشابهًا في العوامل التي يمكن استغلالها لزعزعة الاستقرار. وجود الإخوان المسلمين في الأردن، والقدرة على تحريكهم في لحظات حساسة، يجعل من المملكة هدفًا محتملًا لأي خطة لإعادة رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية في المنطقة. فإذا فشلت الضغوط المباشرة، قد يكون البديل هو استخدام الجماعات المسلحة لإحداث اضطرابات، على غرار ما حدث في سوريا.
خاتمة
لا يمكن قراءة المشهد الحالي بمعزل عن المصالح الدولية والإقليمية التي تحكمه. فالولايات المتحدة، التي تدعم إسرائيل دون تحفظ، تسعى لضمان أمنها على حساب الفلسطينيين وجيرانهم. ومصر والأردن يجدان نفسيهما بين المطرقة والسندان، في معادلة معقدة تجعل من تهجير أهل غزة احتمالًا قائمًا، وإن لم يكن مُعلنًا بشكل رسمي. وما بين أدوات الضغط المباشرة واللعب بورقة التنظيمات المسلحة، يبقى المستقبل مفتوحًا على كل الاحتمالات.
ابا يزيد مر من هنا.
👍
1