التثقيف السياسي
التثقيف السياسي
February 22, 2025 at 07:46 AM
*شهيد الوحدة والثوابت* مع تشييع الأمة لشهيدها السيد حسن نصر الله شهيداً على طريق القدس، يكون هذا التشييع تشييداً لمنارة متعددة الأنوار، وتثبيتاً لرمز من رموز الأمة متعدد الأدوار والدلالات. فيها الجهاد والمقاومة والوحدة، والتربية على العزة. وهناك دلالات السياسة والرؤى الإستراتيجية، والتمسّك بالأصالة في ظل النظر إلى آفاق المستقبل. ودلالات الشباب المتوثّب والشيوخ الحكماء، ودلالات فلسطين قضية الأمة المركزية .... ويمضي الرجال ويبقى النهج والأثر. التقيت السيد حسن نصر الله أواخر عام 1998 في رحاب دمشق الفيحاء، برفقة الزعيم الثائر الجزائري الرئيس الأسبق أحمد بن بله عليه رحمة الله، خلال فعاليات المؤتمر الشعبي الفلسطيني، الذي عُقد لمواجهة أخطار إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، وانخراط السلطة الفلسطينية في مشروع أوسلو والضغطين الإسرائيلي والأميركي من أجل إلغاء ذلك الميثاق المعبر عن تطلّعات الشعب الفلسطيني، واهتمامات الأجيال الثائرة والمقاومة. فكان السيد نصر الله واحداً من أبرز الذين اختاروا وحدة الساحات واحتضان المقاومة الفلسطينية في ذلك المؤتمر، الذي كان تعبيراً عن النضال الفلسطيني الرافض لتصفية القضية الفلسطينية والعامل على تجميع الأمة من أجل وجهتها الإستراتيجية في حماية الحق الفلسطيني وتحرير المسرى وبيت المقدس، وكانت هموم الحاضرين واحدة تعبيراً عن مركزية فلسطين في قضايا الأمة التي عبّر عنها بخطابه القوي وأفكاره العميقة والواقعية. ثم التقيت السيد نصرالله مرة ثانية برفقة الزعيم المصلح الشيخ محفوظ نحناح رحمة الله عليه في رحاب بيروت المقاومة عام 2001، بمناسبة الإعلان عن مؤسسة القدس الدولية، وانعقاد مجلس أمنائها حيث شرفنا بدعوته الكريمة وبثنا همومه في الحرص على وحدة الساحة اللبنانية وألم السهام المفرّقة من الأعداء والأشقاء، وناجانا طويلاً بذكريات المقاومة وأسرارها في التصدي للوجود الأميركي والصهيوني وتشاركنا رؤى التفريق بين السلطة والدولة، والبوصلة القائدة لنجاحات المستقبل والحرص على التنشئة الثوابتية للأجيال القادرة على تأمين العبور الآمن للأمة عبر المشاركة الفاعلة في كل المجالات المقاوماتية، والاجتماعية والثقافية الفكرية في ظل التقارب والابتعاد عن الإثارات والنعرات السلبية التي يقتات منها الأعداء والخصوم وتحويل هذه الأفكار إلى مشاريع ومؤسسات عاملة في الأمة وتفعل أدوات الوفاق والتكامل بينها . والتقيته مرة ثالثة برفقة قيادات العمل الإسلامي في الجزائر مهنئين بالانتصارات حريصين على التقارب بين أطياف الأمة مع اقتراب المعارك الفاصلة، التي كان حديثه عنها رحمه الله وكأنه يراها رأي العين وهو يستشرف تحدياتها وساحاتها وآثارها على الأمة، ما يفرض التحضير والإعداد وتوسيع ساحات المقاومة في كل مجال، لأن وحدة الساحات نقطة ارتكاز في انتصارات المستقبل. لقد كان الشهيد نصر الله رحمة الله عليه رمزاً متعدد الأبعاد: - رمز للإحياء الجهادي الواعي الرزين المدرك للمعركة الحقيقية، الذي سخّر كل إمكاناته وجهوده في الاتجاه الصحيح، من أجل اختصار الوقت وتمييز الجهاد الحق عن العنف والتطرف اللذين تصنعهما الدوائر الصهيونية والأميركية ضراراً في ساحات الأمة ودعوات التكفير والتفسيق والتمزيق في وسطها. - رمز لوحدة الله بين مكوناتها، وخبير بالتسويات الضرورية في الوقت المناسب، مع التمسك بالموقف الصحيح عندما يتعلق الأمر بالثوابت والمبادئ متجاوزاً كل حالات التعصب الفقهي عندما تتعارض المصالح المذهبية مع مصالح الأمة ومشروع المقاومة الكبير. - رمز للتربية الاجتماعية والسلوك الزكي والتنشئة الأخلاقية في المجتمع، ومؤمن بأن الحاضنة الشعبية الصالحة هي عامل الديمومة والقوة للمقاومة، وأن الأخلاق الاجتماعية أساس لمشروع الدولة، والاستقرار والتحرير الذي تستهدفه المقاومة، لأن المقاومة لم تكن عنده حرب وإنما كانت مرحلة تحررية وحالة إنسانية تمنع الأمة من السقوط في الذل والاستبداد والاستعمار . - رمز للتواضع والاقتراب المستمر من الناس ومشاركتهم همومهم تضحية بأعز ما يملك من أجلهم والزهد في ما في أيديهم رغبة في ما عند الله وتوكلاً عليه مجسداً للأخلاق النبوية في الحرص على الناس ومصالحهم واحتياجاتهم متكفلاً دائماً بمشاركتهم التكاليف الصعبة التي فرضتها حالة الصراع مع العدو الصهيوني - رمز للتسامح الذي جعل منه ملتقى بين مكونات لبنان على اختلاف أديانها وأفكارها ومذاهبها وعرقياتها وصورة نموذجية للقائد المترفع عن الأحقاد والخلافات والإثنيات حتى أعطى لبنان نموذجاً للأمة القادرة على المقاومة رغم اختلاف مكوناتها والصابرة في طريق الحرية رغم نزف الجراح. - رمز للوفاء والصدق والمصداقية، لم يكن يطلق الحديث على عواهنه وإنما كانت كلماته مصدراً دقيقاً تتلقاها بالتصديق والموثوقية وكالات أنباء الأعداء قبل الأصدقاء، فإذا وعد أنجز وإذا عاهد لم يخن. - رمز للوطنية الصادقة والوسطية والاعتدال وتقارب الإسلام والقومية وارتباط السياسة بالأخلاق وانسجام الشريعة مع العصر في فهم مثالي وفقه دقيق للحياة والرؤى الإستراتيجية التي تحذر الأمة من المخاطر والتحديات بما يدركه القادة الميدانيون انسجاماً مع قول الله تعالى «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون». لقد كان السيد نصر الله حريصاً على كل الأقطار الإسلامية كما كان حريصاً على لبنان، وكم شارك الجزائريين قضاياهم الحساسة حين الأزمات الخطيرة التي مرت بها الجزائر خلال سنوات المأساة الوطنية، وحذر الجزائريين من الكيد الممنهج في مرحلة ما بعد الربيع العربي، وكان حريصاً باستمرار على تطوير العلاقات البينية في إطار القواسم المشتركة بين القوى الحية في أمتنا، والحرص على الاستفادة من درس الجزائر الكبير في صناعة التحرير ومقاومة الفتن وديبلوماسية الإصلاح والمصالحة. لقد كان الشهيد الكبير حسن نصر الله زعيماً مميزاً في ظروف الأمة الصعبة يتفق معه الملايين وقد يختلف معه كثير من الناس، لكنه تمسك بالحق وحرص على صناعة القوة وتأمين المقاومة، لأنه كان يخوض المعركة عقوداً من الزمن نيابة عن الأمة كلها ويصنع مشروعاً لا يزول بزوال الرجال. > 📑 لمتابعة المقالات والتحليلات التثقيف السياسيّ: 🌐 مجموعتنا على الواتس أب https://chat.whatsapp.com/K0WDN7qm5YI7xQhtStsoeV ᵗᵉˡᵉᵍʳᵃᵐ https://t.me/taskifseyasi

Comments